-
من لاعب تقليدي إلى محور ناشئ في الاقتصاد الإقليمي والعالمي
في ظل المتغيرات الجيو-اقتصادية المتسارعة، بدأت الجزائر ترسم لنفسها موقعا جديدا ضمن خارطة الاقتصاد العالمي، مستفيدة من رصيدها التاريخي، وموقعها الجغرافي، وثرواتها الطبيعية، والأهم من ذلك، إرادة سياسية واضحة للخروج من الاقتصاد الريعي نحو اقتصاد متنوع قائم على الشراكة والإنتاج.
تحول استراتيجي في الرؤية الاقتصادية
لسنوات طويلة، ظلت الجزائر تعتمد بدرجة كبيرة على عائدات المحروقات، مما جعلها عرضة لتقلبات الأسواق العالمية. غير أن السنوات الأخيرة وخصوصا منذ 2019 شهدت انعطافا استراتيجيا واضحا في السياسات الاقتصادية، تمثل في دعم الإنتاج المحلي، استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر (IDE)، تقليص الواردات، تعزيز الصادرات خارج المحروقات، والانخراط في اقتصاد المعرفة والتحول الرقمي. وهذا التحول لم يكن ممكنا دون إعادة هيكلة المنظومة التشريعية والمؤسساتية للاستثمار، وهو ما تجسده ديناميكية الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار ومشاريع قانون الاستثمار الجديد.
المنتديات الدولية كواجهة للدبلوماسية الاقتصادية
منتدى الجزائر-الصين لا يمكن عزله عن سلسلة من المبادرات الجزائرية لإعادة التموقع في الأسواق الدولية. فالجزائر بدأت تستخدم المنتديات الاقتصادية كمنصة للعرض والتفاوض والترويج الاستثماري، تماما كما تفعل القوى الاقتصادية الناشئة.
تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية
كما تظهر هذه المنتديات، انفتاح الجزائر على الشراكات المتوازنة ومن جهة أخرى توظف كوسيلة جذب نوعي للمستثمرين الجادين، لا الباحثين عن الريع.
دور الجزائر في الاقتصاد الإقليمي
فالجزائر ليست مجرد سوق استهلاكي، بل هي بوابة لـ أزيد من 400 مليون مستهلك إفريقي من خلال انخراطها في منطقة التجارة الحرة القارية ومركز محتمل لتصنيع وتصدير المنتجات نحو أوروبا، بفضل اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي كنا تعد أيضا لاعبا محوريا في سوق الغاز والطاقة في جنوب المتوسط، خصوصا في ظل أزمة الطاقة الأوروبية. هذا ما يجعل من الجزائر مركز توازن اقتصادي في حوض المتوسط، ومنصة لربط أوروبا بإفريقيا في مجالات الطاقة، اللوجستيك، البنية التحتية، والزراعة الذكية.
الجزائر والصين.. شراكة تعبر عن منطق عالمي جديد
إن اختيار الصين كشريك محوري لا يعود فقط لعلاقات تاريخية أو سياسية، بل يترجم أيضا تقاربا في فلسفة التنمية أي التركيز على الاستثمار في البنية التحتية والصناعة ما يخلق انسجاما مع مبادرة الحزام والطريق التي تهدف إلى بناء ممرات اقتصادية جديدة.
رغبة جزائرية في تنويع الشركاء خارج المنظومات التقليدية الغربية
وفي هذا السياق، تعمل الجزائر على توطين التكنولوجيا وليس فقط استقبال الاستثمارات، وهو ما يتضح من المشاريع ذات البعد الصناعي أو التكنولوجي ضمن الشراكات الصينية.
الجزائر.. لاعب متزن في عالم متعدد الأقطاب
بين الشرق والغرب، الشمال والجنوب، تبدو الجزائر اليوم كفاعل متزن، مستقل، وبراغماتي. تُراهن على تنويع شراكاتها دون ارتهان، وتُشجع المشاريع التي تخلق القيمة داخليا. وفي عالم يشهد تغير موازين القوة الاقتصادية، حيث تتراجع الهيمنة الغربية لصالح أقطاب ناشئة، فإن الجزائر تمتلك فرصة تاريخية للتموقع ضمن الدول التي تعيد رسم الخريطة الاقتصادية من الجنوب، شرط الاستمرار في الإصلاحات، تحسين الحوكمة، وتمكين رأس المال البشري المحلي. بل الجزائر ليست فقط بصدد جذب الاستثمارات، فتسعى لفرض دور جديد في الاقتصاد العالمي كدولة منتجة، جاذبة، وفاعلة. وهي تؤسس لذلك بخطوات ثابتة، لكن ما تزال هناك تحديات في البيروقراطية، الشفافية، والنجاعة تحتاج إلى المعالجة لضمان استدامة هذا التوجه.
إيمان عبروس
































