تحتفل الجزائر هذا الخامس من يوليو بستينية استقلالها بسجل حافل من الانجازات الاقتصادية تعكس الجهود المبذولة من أجل تحقيق سيادة اقتصادية حقيقية وارساء أسس اقتصاد متين ومتنوع قادر على تلبية احتياجات البلاد أمام التحديات العالمية الجديدة.
فمنذ سنوات الاستقلال الأولى، وضعت جميع الحكومات المتعاقبة مسألة تطوير الاقتصاد الوطني في صلب اهتمامتها وعيا منها بأن التحدي الحقيقي للبلاد بعد استرجاع سيادتها يكمن في تحقيق الازدهار الاقتصادي والاجتماعي.
في هذا الاطار، كان لزاما على السلطات العليا في البلاد آنذاك اتخاذ قرارات حاسمة وتاريخية لتعويض التأخر الاجتماعي والاقتصادي المتراكم خلال سنوات طويلة من الاستعمار.
لتنطلق في هذا السياق سلسلة من عمليات التأميم بوشرت بعزم ودقة قصد استعادة جميع الثروات الوطنية بدأ من المناجم والبنوك والتأمين, ثم المحروقات والشركات الصناعية ومواد البناء, فالمؤسسات السمعية والبصرية والصحافة المكتوبة والنشر.
و تمكنت الدولة بفضل عمليات التأميم التي تمت خلال السنوات الأولى من استقلال الجزائر من السيطرة على كافة القطاعات الأساسية للتنمية الاقتصادية للبلاد و اطلاق عدة إجراءات لعصرنة وسائل الإنتاج.
و يبقى تأميم المحروقات ذات 24 فبراير 1971 أحد أهم الأحداث الاقتصادية في تاريخ الجزائر المعاصر إذ ساهم قرار بسط السيادة على المحروقات في ميلاد حركة تأميم واسعة بالبلدان المنتجة في العالم الثالث.
و يضطلع قطاع المحروقات إلى اليوم بدور محوري في الاستراتيجية التنموية للبلاد حيث يحظى باهتمام خاص من أجل تعزيزه وجعله القاطرة الحقيقية لتطوير الاقتصاد الوطني.
فبفضل الجهود المبذولة, أصبحت الجزائر منتجا ومصدرا هاما للغاز الطبيعي والنفط في العالم اذ تعلب دورا حاسما كمورد موثوق لشركائها.
كما تحظى الجزائر اليوم, داخل المنظمات العالمية الكبرى, على غرار منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاءها (أوبك +), ومنتدى البلدان المصدرة للغاز وجمعية منتجي النفط الأفارقة, بمكانة استثنائية لما تتميز به مبادراتها ومواقفها التوافقية التي تلقى الثناء والدعم.
هذا الدور تقوم به كذلك الشركة الوطنية للمحروقات “سوناطراك”, التي تعتبر فاعلا اساسيا في عالم الطاقة, و التي قال بشأنها رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون أنها تعد “من الأدوات القوية التي تسمح للجزائر بممارسة سيادتها الوطنية”.
مجهودات جبارة للنهوض بالتصنيع
و في مجال المناجم, سمحت القدرات الوطنية و حقول الاستغلال للجزائر بتلبية حاجياتها والتخطيط للتصدير, خاصة و ان بلدنا يمتلك اليوم العديد من شركات الاستغلال ناهيك عن الاحتياطات الهامة من الموارد المنجمية على غرار الفوسفات والحديد والنحاس والذهب والزنك والرصاص والرخام والمنغنيز والبنتونيت.
و تم في هذا الصدد مباشرة عديد الاستثمارات الضخمة في هذا المجال بينما توجد استثمارات اخرى قيد الانجاز بهدف جعل القطاع ثاني أكبر مصدر دخل للعملة الصعبة بعد المحروقات.
و على مدار ستين سنة من الاستقلال بذلت الجزائر جهودا جبارة للنهوض بالتصنيع وانشاء مجمعات صناعية ونسيج مؤسساتي متنوع ينافس على المستوى الوطني والقاري والعالمي.
فبالرغم من كل الصعوبات التي واجهته على مر السنين، رفع القطاع الصناعي الجزائري العمومي والخاص التحدي بقدراته وتنوعه.
و شهدت الصناعة الجزائرية, التي لطالما رافقتها سياسات عمومية طموحة، خاصة التي افرزها برنامج رئيس الجمهورية, عبد المجيد تبون بهدف جعل القطاع يساهم بنسبة 15 بالمائة من الناتج المحلي الخام, توسعا في السنوات الاخيرة من خلال استثمارات هائلة في مواقع انتاج عصرية ومدمجة انجزت في اطار الشراكة مع مؤسسات عالمية.
و الى جانب ما سبق ذكره فإن القطاع ما فتئ يتعزز بالصناعة العسكرية للجيش الوطني الشعبي.
هذا وعرفت قطاعات أخرى خلال ستين سنة من الاستقلال تسخير جهود كبيرة لا سيما النقل والاتصالات والمالية والفلاحة والصيد البحري والري والسياحة والتجارة.
و لقد أتت تلك الجهود اكلها اذ تقدر قيمة الانتاج الفلاحي اليوم بأكثر من 25 مليار دولار في السنة فضلا عن الصادرات خارج المحروقات التي شهدت ارتفاعا ملحوظا والتي من المرتقب ان تصل 7 ملايير دولار هذه السنة.
و تضاف الى هذه المكاسب المحققة تحسن ملحوظ في مؤشرات الاقتصاد الكلي ووضعية مالية مريحة بفضل مستوى احتياطات الصرف، إلى جانب تحكم في النفقات العمومية وبرامج الاستثمار دون ان ننسى ان الجزائر ليست لها أي ديون لدى المؤسسات المالية العالمية وهو ما يعني السيادة المالية.
كما نجحت الجزائر بفضل حوكمة مالية رشيدة في الخروج من دوامة الاستدانة الخارجية الخانقة اذ تمتلك كل المؤهلات لإحراز وثبة اقتصادية.