الجزائر تتذكر رائد نهضتها الإصلاحية الشيخ العلاّمة عبد الحميد بن باديس

الجزائر تتذكر رائد نهضتها الإصلاحية الشيخ العلاّمة عبد الحميد بن باديس

 

شهدت كل المؤسسات التربوية ومختلف مديريات الثقافة والفنون عبر كامل التراب الوطني، أنشطة علمية وفنية احتفالا بيوم العلم الذي يقترن بالذكرى الـ 83 لرحيل الشيخ العلاّمة عبد الحميد بن باديس رائد النهضة الإصلاحية في الجزائر، الذي كرّس حياته في الدعوة إلى التغيير الحقيقي الذي ينطلق من الفرد المتمسك بثوابت هويته والمحافظ على وحدة وطنه.

ووُلد العلامة عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس يوم 4 ديسمبر 1889 بقسنطينة في أسرة مشهورة بالعلم والثراء والجاه، وأدخله والده في صغره لتعلم القرآن، فأتم حفظه في السنة الثالثة عشر من عمره على يد الشيخ أحمد أبو حمدان الونيسي.

وفي عام 1908 سافر إلى تونس لمتابعة تعليمه العالي في جامع الزيتونة، فنال عام 1912 شهادة التطويع، وكعادة الخريجين وقتها كان عليه أن يعلم في الزيتونة عاما واحدا، ليعود في عام 1913 إلى قسنطينة وشرع في العمل التربوي ليعود عشية الحرب العالمية الأولى الى تونس، حيث تابع تحصيله العلمي في الزيتونة لبعض الوقت ثم انتقل إلى الحجاز بغرض الحج ومكث في المدينة المنورة لمدة ثلاثة أشهر ألقى خلالها دروسا في المسجد النبوي.

وزار الإمام بعد مغادرته الحجاز، بلاد الشام ومصر واجتمع برجال العلم والأدب وزار الأزهر، قبل أن يعود إلى قسنطينة لمواصلة إلقاء الدروس على الكبار والصغار والتفرغ لمشروع تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

وفي سنة 1936 دعا إلى عقد مؤتمر إسلامي يضم كافة التنظيمات السياسية والشخصيات المستقلة من أجل دراسة قضية الجزائر، أسفر عن بعض المطالب التي رفعها رفقة بعض العلماء إلى باريس دون الحصول على أي رد إيجابي، حيث هدده وزير الحربية الفرنسي دلادي بأنّ “لدى فرنسا مدافع طويلة”، فرد عليه الشيخ ابن باديس بالقول: “لدينا مدافع أطول، إنها مدافع الله”.

وفي صيف 1939 طلبت فرنسا الاستعمارية من جمعية العلماء المسلمين رسالة تأييد لها في حربها ضد ألمانيا، وعندها قال ابن باديس كلمته المشهورة: “والله لو طلبت مني فرنسا أن أقول لا إله إلا الله ما فعلت”، وبعد ذلك بعام، سلم الشيخ عبد الحميد بن باديس روحه إلى بارئها يوم 16 أفريل 1940 فخرج الجزائريون يودعونه في جنازة مهيبة كانت يوما مشهودا في تاريخ مدينة قسنطينة.

وكان الإمام يؤمن بقوة الإعلام في مسعى التغيير، ولذلك أنشأ جريدة “المنتقد” عام 1925 وجعل شعارها “الوطن قبل كل شيء والحق فوق كل أحد”، إلى جانب جرائد أخرى على غرار “الشهاب” و”البصائر” وذلك بغرض التأسيس لـ “ثورة فكرية” -مثلما وصفها المفكر روجي غارودي-، كانت مرجعا ودعامة لعدد كبير من قادة الثورة التحريرية وانعكست في بنود بيان أول نوفمبر.

وكان قوام هذه الثورة الفكرية ترسانة تعليمية متكونة – بحسب مراجع موثّقة – من “نحو 124 مدرسة يؤطرها 274 معلمًا وضمّت حتى سنة 1954 حوالي 40 ألف تلميذ، علاوة على إنشائه سنة 1947 بقسنطينة لمعهد ابن باديس الثانوي الذي كان يتولى تكوين المعلمين والطلبة”.

ووقف هذا التيار التعليمي الذي كان موجّهًا للأطفال والكبار المنحدرين من مختلف الشرائح الاجتماعية، كسدّ منيع في وجه ممارسات المحتل الفرنسي وتصرفات الآباء البيض الرامية إلى استلاب الشعب وإحداث القطيعة بينه وبين هويته ورصيده الحضاري.

الشيخ ابن باديس (الذي كان يوقع على مقالاته الصحفية بكنيته الأمازيغية “الصنهاجي”)، أعطى بعدًا سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا بارزًا لمشروعه الإصلاحي، من خلال إرساء أسس تعليم اللغة العربية وأصول الدين وتشجيع بروز العديد من الجمعيات الثقافية والرياضية.

وفي شهادة سابقة لعبد الحق بن باديس، شقيق العلامة المصلح والرئيس الشرفي لمؤسسته، قال إنّ الإمام “لم يكن يتردد في الجلوس إلى جميع الناس بكل فئاتهم”، مركّزًا على نشر العلم للكبار والصغار نساءً كانوا أو رجالاً”، وأضاف أنه “أنهى تفسير القرآن الكريم سنة 1938 أي قبل سنتين من وفاته وكان يقدّم يوميًا ما لا يقل عن 15 درسًا في تفسير القرآن وعلوم الدين”.

ب-ص