الجزائر تتخطى أشواطا كبيرة في مجال محو الأمية وتحصد الجوائز

الجزائر تتخطى أشواطا كبيرة في مجال محو الأمية وتحصد الجوائز

تحيي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونيسكو” اليوم 8 سبتمبر، اليوم الدولي لمحو الأمية 2021 تحت شعار “محو الأمية من أجل تعافٍ محوره الإنسان: تضييق الفجوة الرقمية”.

أسفرت أزمة كوفيد-19 عن اضطراب مسيرة تعلّم الأطفال والشباب والكبار على نحو غير مسبوق النطاق، وفاقمت أوجه عدم المساواة في الانتفاع بفرص بنّاءة لتعلّم القراءة والكتابة، الأمر الذي أثّر على نحو غير متناسب في 773 مليون شخص من الشباب والكبار غير الملمّين بمهارات القراءة والكتابة.

وكان محو الأمية للشباب والكبار غائباً عن خطط الاستجابة الوطنية للأزمة التي دفعت العديد من برامج محو الأمية الأخرى إلى تجميد نشاطها المعتاد.

سبل بديلة لمواجهة الجائحة

ولم تحل الأزمة العالمية دون بذل الجهود الرامية إلى إيجاد سبل بديلة لضمان استمرار التعلّم، على غرار التعلّم عن بعد الذي كان مشفوعاً في بعض الأحيان بالتعلّم الوجاهي. لكن فرص تعلّم القراءة والكتابة لم تكُن موزّعة توزيعاً متساو. وأدى التحول المباغت إلى التعلّم عن بعد إلى إماطة اللثام عن الفجوة الرقمية القائمة على صعيد الاتصال بالأنترنت والبنية الأساسية، فضلاً عن القدرة على استخدام التكنولوجيا. وأبرز هذا التحول أيضاً أشكال التفاوت في الخدمات الأخرى مثل الانتفاع بالكهرباء، الأمر الذي يقوّض فرص التعلّم.

وكانت الجائحة بمثابة تذكير صارخ بالأهمية الحاسمة لمحو الأمية، التي لا تقتصر على كونه لبنة من لبنات الحق في التعليم نظراً إلى دوره في تمكين الأفراد وتحسين ظروف حياتهم من خلال توسيع إمكانياتهم كي يعيشوا الحيـاة الـتي يرون أنّهم جديرون بها. إذ يُعتبر محو الأمية أيضاً بمثابة محرك للتنمية المستدامة، فضلاً عن كونه جزءاً متأصلاً في التعليم وشكلاً من أشكال التعلّم مدى الحياة المبنيّة على أساس الإنسانية كما هو منصوص عليه في الهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة. ومن هنا، يضطلع محو الأمية بأهمية مركزية كشكل من أشكال التعافي من أزمة كوفيد19-، ومحوره الإنسان.

وسوف يستكشف اليوم الدولي لمحو الأمية لعام 2021 كيف يمكن لمحو الأمية المساهمة في بناء أساس وطيد لتعافٍ محوره الإنسان، وذلك مع التركيز بصفة خاصة على التفاعل بين محو الأمية والمهارات الرقمية التي يحتاجها الشباب والكبار غير الملمّين بمهارات القراءة والكتابة، كما سيستكشف اليوم الدولي هذا العام أيضاً الأمور التي تكفل إضفاء طابع شموليّ وفعّال على تعلّم مهارات القراءة والكتابة باستخدام التكنولوجيا بغية عدم ترك أي أحد خلف الركب. وبذلك سيكون اليوم الدولي لمحو الأمية لعام 2021 بمثابة فرصة لإعادة تصوّر مستقبل التدريس والتعلّم لأغراض محو الأميّة وذلك في غمرة الجائحة وما بعد اندثارها.

 

أكثر من 20 بالمائة من الجزائريين لا يجيدون القراءة والكتابة

بعد 59 سنة من نيل الجزائر لاستقلالها وتحكمها في تقرير مصيرها، ما يزال شبح زحف الأمية يضرب بنواصيه في عدد كبير من القرى والمداشر وحتى المدن الجزائرية، كما أن نسبة الأميين في هذه المناطق حتى وإن تراجعت قليلا، إلا أنها ما تزال موجودة، فهناك ما يزيد عن ستة ملايين جزائري أي ما يعادل 22 بالمائة من العدد الإجمالي للسكان لا يجيدون الكتابة ولا القراءة، حيث تشير هذه الإحصاءات إلى كارثة حقيقية تعصف بالمجتمع الجزائري، لذا، لابد من تضافر الجهود وتسخير كل الإمكانات لمحاربتها، وقد قامت الجمعية الجزائرية لمحو الأمية بدراسة ميدانية شملت 2560  فردا مستجوبا، تضمنت هذه الدراسة رؤية مدى تعامل مستخدمي محو الأمية بالجمعية، مع الإستراتيجية الوطنية المعتمدة من طرف الحكومة، والتي أسفرت في نتائجها عن العديد من النقاط لعل أهمها المطالبة بإعادة النظر في السياسة الوطنية لمحو الأمية وتدعيمها بمحو الأمية الوظيفية لاستقطاب عدد أكبر من الأميين، خاصة ما يتعلق بفئة النساء، فضلا على إدخال عملية الاتصال لمراقبة المخطط الوطني من أجل ضمان نجاحه فيما يخص تحسيس وتجنيد المواطنين.

من ناحية أخرى، شددت نتائج الدراسة أيضا على ضرورة اعتماد اللامركزية في تسيير الإستراتيجية الوطنية لمحو الأمية تفاديا للمشاكل القاعدية على غرار تسديد الأجور، بالإضافة إلى إعادة النظر في تنظيم دروس محو الأمية ومحتوى برامجها وكذلك في شروط التوظيف والتكوين المستمر لمنشطي محو الأمية.

المرأة والفتاة في مقدمة الإستراتيجية

وفي سياق ذي صلة، منحت الجهود الأولوية للمرأة والفتاة وللمناطق الريفية وللشريحة العمرية من 15 إلى 49 سنة على اعتبار التأثير الاجتماعي والاقتصادي الذي تنطوي عليه هذه الشريحة دون الفئات الأخرى، فضلا على أنه يمكنها تجسيد دور فعال

وبناء في المشاركة في الحياة الوطنية خاصة في شقها الاقتصادي. وتوقع الديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار تسجيل أزيد من 1.620.000 دارسا في فصول محو الأمية منهم 1.222.124 مسجلا في المستوى الأول و397.876 في المستوى الثاني. وتقدر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو” عدد الأميين في العالم بحوالي 793 مليون أمي غالبيتهم نساء.

 

توفير الوسائل الضرورية لتمدرس الأطفال المقيمين بالمناطق النائية

وتوحي النسب المقدمة باستقرار مستوى التعليم في الجزائر، وهذا رغم أن نسب الدخول المدرسي تبقى غير متكافئة عبر التراب الوطني، فهي عموما تقل في المناطق النائية التي تبعد فيها المدارس عن المداشر والمناطق السكنية، مما يقلل من حظوظ التعليم بها نتيجة عجز الأولياء عن توفير وسائل نقل لأبنائهم باتجاه المدارس البعيدة وعادة ما تكون الضحية الأولى لهذه الظروف جراء خشية الأولياء على أبنائهم ولانعدام ثقافة تدريس البنات بهذه المناطق نتيجة العقلية والعادات القديمة السائدة بها والتي تضطر الفتاة فيها إلى مغادرة مقاعد الدراسة في سن مبكرة رغم تفوقها الدراسي لمساعدة الأم في أشغال البيت وفي تربية إخوتها أو لتكوين أسرة، فهذه الظروف والعادات القديمة التي تطغى على سكان القرى والمداشر وخصوصا المناطق النائية ساعدت كثيرا على ظهور نسب الأمية في بلدنا.

فبالرغم من سعي الدولة والمنظمات من أجل الحد من هذه الظاهرة، غير أن المجتمع بجميع مكوناته وطبقاته لن يهنأ له بال حتى يتخلص نهائيا منها، ذلك أنها واحدة من القضايا الشائكة التي تنفث بسمومها على المجتمع الواحد، فمهما تعددت المفاهيم و تنوعت السبل للقضاء عليها، يبقى الحل الوحيد والأنجع للتخلص أو للحد منها على الأقل أن يزرع الإدراك الاجتماعي في عقول شرائح المجتمع، ذلك أن الحل كله في عقولهم.

عائشة باركي: مسيرة حافلة بالإنجازات في مجال محو الأمية وترقية العلم في الجزائر

يبقى اسم الراحلة عائشة باركي، خالدا في مسار محو الأمية ومحاربة الجهل، حيث ساهمت هذه المعلمة من خلال جمعية “اقرأ” في محو أمية أكثر من 1.6 مليون شخص على مدى أكثر من ثلاثين عاما.

وقد أمضت عائشة باركي حياتها في محاربة الأمية، التي تعد أبشع إرث تركه الاستعمار الفرنسي في أوساط المجتمع، خاصة لدى الشباب والعنصر النسوي.

فبنضالها وعملها الدؤوب عملت هذه المرأة الاجتماعية التي لا تفارق الابتسامة محياها على غرس حب التعلم لدى كافة الشرائح منها كبار السن، حيث ترأست لعقود جمعية “اقرأ” الوطنية لمحو الأمية.

وبدأت عائشة باركي وهي من مواليد 12 جويلية 1946 بعين بسام في ولاية البويرة، التعليم في فروع محو الأمية في سن مبكرة والتدريس بشكل رسمي في مدارس العاصمة.

وكان التعليم بالنسبة لهذه المرأة المثابرة من أهم القضايا العادلة التي ناضلت من أجلها حين أتيحت لها الفرصة سنة 1963 لأن تكون من بين الفتيات اللواتي بدأن في التعليم بفروع محو الأمية، كمستخلفة الى أن تحصلت على منصب عمل ثابت وبدأت التدريس بالحراش (الجزائر العاصمة).

بعدها انتقلت إلى مدرسة محمد إقبال، لتتدرج من معلمة الى مديرة بمدرسة الموحدين بالعاصمة وكلل هذا المسار المميز بتقاعد مسبق بعد 32 سنة في مجال التعليم.

وقد بادرت عائشة باركي في بداية التسعينيات من القرن الماضي، بتأسيس الجمعية الجزائرية “اقرأ” لمحو الأمية التي اعتمدت يوم 29 ديسمبر 1990، وذلك في ظروف جد صعبة كانت تمر بها الجزائر. وتم الاعلان الرسمي عن ميلاد هذه الجمعية يوم 8 جوان 1991 المصادف لليوم العربي لمحو الأمية.

وحددت الجمعية أهدافا لتحقيقها منها محاربة الأمية في أوساط الشباب والرسوب المدرسي وغرس روح التعلم لدى كافة فئات المجتمع. كما عملت الجمعية على انشاء مراكز محو الأمية في كل مناطق البلد وتدعيم الفئات المعنية بمكافحة الأمية بكل الوسائل الحديثة والسهر على تدعيم التربية لدى كافة فئات المجتمع، فضلا عن انشاء مراكز تعلم الحرف والصناعات التقليدية للنساء الماكثات في البيت. واستفادت المرأة الريفية أساسا من التعليم الذي توفره “اقرأ”، خصوصا تلك المتواجدة بالمناطق المعزولة بالتراب الوطني (الشاوية والنايلية والمزابية والتارقية… الخ) والتي أبعدتها الظروف التاريخية عن حقها الأساسي في القراءة والكتابة.

ونجحت الفقيدة باركي في هذه المهمة النبيلة في جلب أكبر عدد ممكن من المنخرطين في مشروعها. وتشهد على ذلك العديد من الشهادات التي تلقتها الجمعية ورئيستها على غرار الجائزة الدولية لمحو الأمية لمنظمة اليونيسكو سنة 1997 وجائزة منظمة “أليسكو” سنة 1998 وجائزة منظمة “ايسيسكو” سنة 2000.

وفي سنة 1994، منح المجلس الدولي لتعليم الكبار جائزة “روبي كيد” للفقيدة عائشة باركي وتولت منصب نائب رئيس المجلس، علما أنها تحصلت كذلك على صفة مراقب لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة سنة 1988 وكانت من بين مؤسسي المجلس الاقتصادي والاجتماعي لإفريقيا سنة 2008. كما تعتبر جمعية “اقرأ” عضوا في العديد من المنظمات غير الحكومية العربية.

وعملت الفقيدة كذلك على انشاء مراكز تعلم الحرف والصناعات التقليدية للنساء الماكثات في البيت وتطوير الوسائط التكنولوجية في محاربة الأمية وواصلت تحديها في محاربة الأمية بشعارها “حريتي في محو أميتي” لعقود لتكلل جهودها بوضع استراتيجية لمحو الأمية بالجزائر، مكنت من تخفيض نسبة الأمية عام 2019 إلى 8.7 بالمائة مقابل نحو 85 بالمائة عند الاستقلال.

ومكنت هذه الاستراتيجية الجزائر من الحصول على جائزة اليونيسكو لمحو الأمية لعام 2014 نظير المجهودات المبذولة لرفع نسبة التمدرس من طرف جمعية “اقرأ”.

وكللت مجهودات ومساعي عائشة باركي بإصدار كتاب “أمحو أميتي” بثقافة اللاعنف كمساهمة منها في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف التي تشرف عليها وزارة التضامن الوطني وقضايا الأسرة تحت شعار “من أجل مجتمع آمن”.

واصلت الفقيدة مجهوداتها في آخر مسارها النضالي والجمعوي بإطلاق مشروع تعليم الأمازيغية للكبار في إطار محو الأمية عبر كل أرجاء البلد.

هذا، وأصيبت الفقيدة عائشة باركي بمرض عضال ألزمها الفراش منذ جانفي 2019 إلى أن وافتها المنية يوم 28 ماي من نفس السنة. وتبقى مسيرتها المشرفة رصيدا شاهدا على إخلاصها لوطنها وإسهاماتها في الحركة الجمعوية.

لمياء بن دعاس