تحتضن قاعة “بشير يلس” بدار عبد اللطيف للمتحف الوطني للفنون الجميلة، نحو 60 عملا فنيا لمبدعين عالميين زاروا الجزائر خلال الفترة الاستعمارية، وتركوا أعمالهم شاهدة على مدى تعلقهم واعجابهم ببلد جمالها سحر عقولهم.
وتمثلت هذه الأعمال في منحوتات، ونقوش، وميداليات، تبرز فيها العمارة الإسلامية المتمثلة في الغالب، في “فيلا عبد اللطيف”، وكذا في بعض المظاهر الاجتماعية والثقافية الجزائرية في بدايات القرن 20، أي منذ سنة 1907، حيث تعود أقدم الأعمال المعروضة إلى الفنان ليون كوفي، كأول من أقام في الفيلا سنة 1907. يعيد هذا المعرض إلى الذاكرة، تجارب رائدة مرت على الإقامات الفنية لـ “دار عبد اللطيف”، ويبرز أيضا مدى التعلق بالمكان كملهم للإبداع، علما أن هذه الإقامات استقبلت لعقود، 89 فنانا من رسامين ونحاتين ومهندسين معماريين ومصممين. ومن بين أبرز الفنانين نجد أيضا اسم “بيار براندال” (1912 -2002)، الذي أقام في فيلا عبد اللطيف سنة 1950، ليرسم هذه الفيلا بالحبر الصيني بكل حدائقها مع طلتها البحرية الخلابة، لتتوالى لوحاته عن نفس الموضوع، كما عرضت عقود شراء هذه اللوحات، لتبدو كالمخطوطات القديمة، تزيد من قيمة اللوحات على الأقل من جانبها التاريخي والفترة التي عاشتها الجزائر. ومن الأعمال المعروضة، لوحات الفنان “تبار تيليير” (1932-1961) نزيل “فيلا عبد اللطيف” سنة 1961، حيث ركز على المحيط الطبيعي الأخضر للفيلا، أما “جيسيل جورج مياس” (1928-2019) نزيلة الفيلا سنة 57، مصورة سطحها الذي نشرت فيه الملابس قبالة أشعة الشمس، حيث تتداخل الألوان والأنوار التي تطل من سماء الجزائر الصافية.
بدوره، حضر الرسام “جاك هوبلان” (1920-2020) نزيل “فيلا عبد اللطيف” في سنة 1949، بلوحات عن محيط هذه الفيلا العتيقة والرمز، حيث الأشجار والنباتات والطيور الغناء وصفاء الجو، وتم اقتناء هذه اللوحات سنة 1956.
وتوالت اللوحات، منها لوحات “بيار كينيو”-1920-2015- نزيل “فيلا عبد اللطيف” سنة 1950، حيث اختار غرفة في مبنى بالجزائر، تدخله أشعة الشمس الدافئة، علما أن أغلب هؤلاء الفنانين الأجانب، فتنهم النور والشمس التي لم تكن متاحة بما فيه الكفاية في أوروبا. وأبدع “لودوفيك بينو” (1886-1935) نزيل الإقامة الفنية في سنة 1922، وأغلب أعماله كانت منحوتات من البرونز الأسود، تعكس مدى تأثره بالجزائر، حيث قدم رائعة عبارة عن مجسم لرجل يرتدي “القندورة” والبرنوس والعمامة، رافعا يديه مكبرا للدخول في الصلاة، وكان في كامل أناقته وخشوعه، وقد سمي هذا المجسم بـ “الصلاة”، منبهرا بهذه العبادة التي تعكس الخصوصية والهوية الإسلامية الجزائرية، التي لم تكن لها علاقة بفرنسا في تلك الفترة من الاستعمار. واختار “أندري جان كانت”(1912-1977) إطلالة البحر، التي تُرى من “فيلا عبد اللطيف”، من خلال لوحة مرسومة بالألوان الزيتية على الورق المقوى، في سنة 1942، علما أنه نزل بالفيلا سنة 1939، كما صور مدخل الفيلا ذي الطراز الإسلامي مرصعا بالزخرفة. ومن ضمن المعروضات أيضا، مدخل “فيلا عبد اللطيف”، لجان شابو (1914-195) نزيل سنة 1947، في لوحة زيتية راقية ومزركشة بالألوان الزاهية، منها الأخضر والأصفر والبني الترابي، مركزا أيضا على الزخرفة في العمارة الإسلامية، وكذا الخط العربي، كما قدم “لودوفيك بينو” لوحة لجزائرية تحمل طبق الكسكسي، من خلال حفر بارز بالجبس، أنجزت سنة 1936، ومجسم آخر لسيدة جزائرية تحمل حزمة الحطب في سنة 1923.
ويتواصل هذا المعرض إلى غاية سبتمبر المقبل ليكون محطة يلتقي فيها الزوار بأسماء أجنبية، لاسيما الفرنسية منها، تركت بصماتها واضحة في الموروث الثقافي الجزائري.
ب\ص