الجدل الإيديولوجي أصبح عائقا آخر في وجه  الإصلاح الحقيقي ، بومدين : مشكلة المنظومة التربوية أعمق من مسألة حذف البسملة… مشروع مارشال بعيد كل البعد عن الواقع

elmaouid

الجزائر- قال عربي بومدين. أستاذ العلوم السياسية بجامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف. بأن مشاكل المدرسة الجزائرية لم تتوقف عند مسألة حذف البسملة من عدمها في الكتب المدرسية، بل إن المشكلة أعمق

بكثير من ذلك وتزداد تعقيدا عندما ينساق المدافعون عنها وراء الإيديولوجية  ويسوقون الأمر في شكله السطحي والساذج في حين أن الأمر يحتاج نضالات حقيقية تمس الأطر العملية والمناهج التربوية أولا قبل أي شيء آخر.

أكد الاستاذ بومدين في تصريح لـ “الموعد اليومي” بأن المسألة التي كثر عليها اللغط هذه الأيام تحتاج إلى إعادة النظر في بنية المدرسة، في تكوين الأستاذ وفي علاقة المدرسة بمحيطها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، مشددا على أن المدرسة هي نتاج المجتمع وما دامت سلم القيم مقلوبة، فإن هذه الأخيرة ومخرجاتها ستظل مريضة ضعيفة الأداء وبدون أهداف مجتمعية مرسومة.

 

المدرسة رمز من رموز الدفاع عن الذاتية الثقافية والمحافظة عليها

ويرى الأستاذ بومدين بأنه علينا أن نعترف بأن هناك اتجاهين كبيرين في هذا الصدد، اتجاه يسعى لجعل المدرسة متفتحة على قيم الحداثة واتجاه ثان يدعو ويدافع باستماتة عن جعل المدرسة مرتبطة ومتجذرة ببيئتها وقيم مجتمعها، مشيرا بأنه من هذا المنطلق تثار هذه النقاشات والجدالات في صورة التجاذبات الفكرية  وبالتالي طبيعي أن يكون للاتجاه الثاني كل المصداقية في الدفاع عن ثوابت الأمة، لأن المدرسة وإن كانت وظيفتها نشر المعرفة فهي أساسا رمز من رموز الدفاع عن الذاتية الثقافية والمحافظة عليها.

ويعتقد المتحدث بأن هذه الجدليات أصبحت عائقا آخر في وجه  الإصلاح الحقيقي وكشفت عن مدى التخبط الذي يعيشه قطاع التربية ولا مراء في القول أن لا حل يرتجى في الأفق إلا بالعودة إلى القيم المجتمعية ولا نجاح لأي إصلاحإن لم ينطلق من الخصوصية ورحم وقناعات المجتمع ولهذا -يضيف- يجب إشراك القوى المجتمعية حقيقة وليس شكلا في أي تغيير يمس المدرسة حتى تجد تعبيرا عنه فيه يجعلها تشعر بجزء من المسؤولية في إنجاحه.

 

لا بد من وجود الإرادة السياسية الجادة لتجسيد منظومة تربوية قارة

وشدد المتحدث بأن السبيل الوحيد إلى منظومة تربوية قارة هو وجود الإرادة السياسية الجادة وذلك عبر رؤيا واضحة للسياسة التربوية والتعليمية في الجزائر والابتعاد عن الصراع الايديولوجي وإدارة السياسة التربوية والتعليمية وفق قواعد الرشادة والعقلانية وإعادة النظر في المناهج التربوية بما يتماشى والبعد الثقافي والحضاري والقيمي للمجتمع الجزائري فضلا عن تعزيز الترسانة القانونية لتكون عامل إنجاح للعملية التربوية والتعليمية وكذا فتح نقاش عميق من نقابات ومنظمات وطنية وخبراء لأنها العامل الأساس في نجاح العملية بالإضافة إلى الجمع بين الأصالة والمعاصرة من خلال الحفاظ على الموروث الثقافي للأمة والانفتاح على الحداثة من خلال التفتح على العلوم واللغات.

 

مسار الانحراف بدأ مثقلا بما ورثته المدرسة

من جهة أخرى يعتقد محدثنا أن “مشروع مارشال الذي تحدثت عنه وزير التربية الوطنية نورية بن غبريط بهدف مواجهة ظاهرة إعادة السنة هو بعيد كل البعد عن الواقع باعتبار أن المشروع في حد ذاته  جاء لإعادة إعمار أوروبا بعد الخسائر البشرية والمادية التي لحقتها جراء الحرب العالمية الثانية وبالتالي لا أعتقد -يضيف – أن السياسة الحالية المنتهجة في مجال التربية والتعليم يمكنها أن تكون مشروع مارشال جديدا لإعادة إصلاح المنظومة التربوية والتعليمية، لأن مسار الانحراف بدأ مثقلا بما ورثته المدرسة الجزائرية من إرث تاريخي جراء الاستعمار الفرنسي ونتيجة صراع إرادات النخب الوطنية التي ساهمت في تعميق الأزمة بدل حلها، وعليه فإن البناء الفكري والثقافي والقيمي يختلف تماما عن البناء المادي، ولهذا فإن أي مشروع إصلاحي سيكون مصيره الفشل مادام لم يجد مصدره في خصوصية الفرد الجزائري وما لم يتجذر وينسجم مع بيئته الاجتماعية، الثقافية، والدينية باعتبارها الحاضن الأساس ما عدا ذلك سيكون مصيره الفشل كما فشلنا في بناء الدول نتيجة للنماذج والأطر القانونية والدستورية المستوردة. وعليه نحن بحاجة إلى مشروع حضاري واع ينطلق من ثوابت الأمة حتى لا يردد الصدى.

 

 الإصلاح التربوي …رهين الصراع الحضاري والإيديولوجي

وفي الإطار نفسه يرى محدثنا بأن الوضع المذكور انعكس بما لا يدع مجالا للشك على مستوى أداء المنظومة التربوية والتعليمية في الجزائر على الرغم من  الإصلاحات المتتالية لأن الأصوات الداعية إلى التغيير لم تحدد هدف ومضمون هذا التغيير وبقي  الإصلاح رهين الصراع الحضاري والايديولوجي وباتت المنظومة التربوية والتعليمية فاقدة لأي محتوى استراتيجي يمكنها من تحقيق ذاتها وفرض مكانتها داخليا وخارجيا، مؤكد أن القائمين على  الإصلاح لم ينطلقوا في مشروع إصلاحهم من الخصوصية الثقافية للمجتمع ولم ينسجم إصلاحهم مع ثوابت وإرادة الأمة إذ ظلت القرارات ارتجالية يتم التراجع عنها في كل مرة، ذلك أن السياسة  الإصلاحية المنتهجة منذ عقدين لم تحدث نقلة نوعية ولم تصحح مسارا خاطئا ولم تضع حدا لوضع فاسد، الشيء الذي انعكس على بناء المناهج التربوية، طرائق التعليم، تكوين الأساتذة، علاقة المؤسسة التربوية بمحيطها السياسي، الاجتماعي، والاقتصادي، فلسفة التنظيم والتسيير .