الثورة الجزائرية…والدعم الافريقي

الثورة الجزائرية…والدعم الافريقي

بعد احتلال دام ما يقرب من ثلاثة عشر عقدًا من الزمن، ذلك الاستقلال الذي كتب بدماء وتضحيات شعب الجزائر وبجهود الحكومات والشعوب التي وقفت معه. ولعل الأمم الأفريقية تولت جانبًا من الكفاح الجزائري ومساندته.

ويلخص هذا مقولة لزعيم ثورة جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا: “الجزائر كانت وستبقى قلعة الثوار والأحرار، والسند القوي لكل الشعوب المناضلة من أجل العدالة والحرية، ومواقفها الأصيلة ترجمتها إلى عطاء ودعم وإسهام مباشر في تحرير القارة الأفريقية، إن عطاء ثورة الجزائر وجبهة التحرير الجزائرية كان عظيماً وقوياً وفاعلاً، وستظل كل الشعوب الأفريقية تذكر باعتزاز للجزائر دورها الرائد في تحريرها من الاستعمار، وتثمن جهودها في توحيد وتضامن القارة وشعوبها، والنهوض بالتنمية والاقتصاد فيها”.

وعندما انتقلت حرب التحرير الجزائرية، كانت معظم البلدان الأفريقية تحت الاستعمار، وكان واضحًا أن الاستعمار لن يتنازل عن مناطق كثيرة منها: أنغولا، جنوب أفريقيا، وناميبيا، واعتبرت جبهة التحرير الوطني باستمرار بأن عملها التحرري جزء مكمل، وله تأثير متبادل من أجل تحرير أفريقيا ككل.

وقد وجدت حركات الاستقلال والتحرر الأفريقية في الثورة الجزائرية نموذجاً ليس فقط في إخراج استعمار تقليدي، بل كذلك نموذجاً لمواجهة الاستعمار الاستيطاني وخاصة في أنغولا، الموزمبيق، زمبابوي. وكانت دافعاً قوياً لحركات الاستقلال لعدم المساومة مع المستعمر مثل ما حدث في غينيا والكونغو وغانا ومالي، وأما عن التأييد الأفريقي للثورة الجزائرية. وكانت لبعض الدول الأفريقية مواقف متشددة ضد الاستعمار الفرنسي، ومساندة بدون تحفظ للقضية الجزائرية ولحرب التحرير الجزائرية:

ـ موقف غينيا:

اتخذ السيد لومومبا أثناء إدارته للحكومة الكونغولية مواقف هادفة وقوية بجانب حرب التحرير الجزائرية والأفريقية بصفة عامة، ولو على حساب وجوده على رأس الحكومة الكونغولية

كان لدى غينيا قيادة وطنية برئاسة أحمد سيكوتوري، الذي عرف بمواقفه الثابتة ضد الاستعمار وهيمنة القوى الرأسمالية ليس فقط على غينيا، بل على أفريقيا والعالم ككل. وكان سيكوتوري أحد القادة البارزين والقياديين المناوئين للاستعمار، والمطالبين باستقلال وتحرير الشعوب دون قيد أو شرط، ومناصراً لكل الوسائل التي تضمن ذلك بما فيها العمل المسلح حين قال:

.. فنحن مصممون تصميماً راسخاً على تقديم مساعدتنا غير المشروطة للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية من أجل استقرار السلم في الجزائر، حسب الشروط والضمانات التي حددتها الحكومة الجزائرية… ونحن نعلم بصفة واضحة أن موقف الحكومة الفرنسية نحو الرغبات الشرعية للشعب الجزائري؛ سيحدد بشكل أقوى وأوضح موقف الشعب الغيني وحكومته من الحكومة الفرنسية. ولم يتوقف الرئيس أحمد سيكوتوري في تأييده المطلق للثورة الجزائرية على العلاقات الثنائية بين البلدين الجزائر وغينيا، بل حمّل كل دولة أو حكومة مسؤولية إجرامية في حالة التردد أو التحفظ من مساندة الثورة الجزائرية: إن كل حكومة لا تهتم بقضية الشعب الجزائري في استقلاله إنما تشارك الاستعمار في جرائمه، وإن أية حكومة تعلن أنها غير مسؤولة إزاء القضية الجزائرية؛ فإنما تتحمل بموقفها هذا مسؤولية تأييد الاستعمار ومناصرة الظلم والعدوان.

ـ موقف غانا:

الرئيس الغاني كوام نكرومة أكد دورياً انسجام مواقف حكومته مع الشعب الغاني، مبرزاً قناعته وتأكيده من حتمية الانتصار الجزائري على فرنسا، في خطابه أمام الدورة الخامسة عشر للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة أكتوبر 1960م، وكرر الرئيس نكرومة وأكد موقف بلاده والمتمثل في: “إن فرنسا لا تستطيع أن تنتصر عسكرياً، والطريق الوحيد للخروج بفرنسا من هذا المأزق هو طريق التفاوض”.

مهما كان مستوى حجم المساندة للثورة الجزائرية من بعض الدول الأفريقية؛ فإنها لا تخفي التأييد الأفريقي الجماهيري الواسع على مستوى البلدان الأفريقية، سواء التي كانت مستقلة أو تحت الاستعمار

مهما كان مستوى حجم المساندة للثورة الجزائرية من بعض الدول الأفريقية؛ فإنها لا تخفي التأييد الأفريقي الجماهيري الواسع على مستوى البلدان الأفريقية، سواء التي كانت مستقلة أو تحت الاستعمار

 ـ موقف مالي:

كانت مالي حكومة وشعباً بقيادة موديبو كابتا داعمة للتحرر الجزائري، وكانت ممراً هاماً لعبور الأسلحة عبر الجنوب الجزائري لتدعيم حرب التحرير الجزائرية، وكانت تنظم مظاهرات شعبية خاصة في المناسبات الوطنية للثورة الجزائرية، منددة بالاستعمار الفرنسي، مؤكدة تضامن الشعب المالي مع معركة تحرير الشعب الجزائري. وقال مندوب مالي في الأمم المتحدة نهاية سبتمبر 1960م: إن حرب الجزائر وحدها كانت سبباً كافياً لحمل الدول الأفريقية على قطع علاقاتها مع فرنسا، إذ أن فرنسا تقود في الجزائر حرباً إبادية.

وبالنسبة إلى مالي لم يكن هدف ونموذج الثورة الجزائرية فقط لتحرير الجزائر، بل لتحرير أفريقيا ككل لأن تضحيات الوطنين الجزائريين بعد تضحيات الوطنين في فيتنام؛ هي السبب في تطور الموجة التحريرية، التي تعدّ جميع الدول الأفريقية مدينة لها بالاستقلال. وساندت حكومة مالي كل مطالب الحكومة الجزائرية المؤقتة في مفاوضات إيفيان، ذلك ما أكده الرئيس موديبو كابتا نفسه في رسالة موجهة إلى السيد فرحات عباس رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة.

ومهما كان مستوى حجم المساندة للثورة الجزائرية من بعض الدول الأفريقية؛ فإنها لا تخفي التأييد الأفريقي الجماهيري الواسع على مستوى البلدان الأفريقية، سواء التي كانت مستقلة، أو التي كانت آنذاك ما زالت تحت الاستعمار. وشعبيًا، كان الجميع في تضامن مطلق مع الثورة الجزائرية، ومساندة مستمرة على مستوى التنظيمات والتجمعات غير الحكومية إقليمياً ودولياً. كما كان بالمقابل لممثلي جبهة التحرر الوطني والحكومة المؤقتة تنسيق وتضامن دائم مع قوى وحركات التحرر الأفريقية في المحافل الدولية، من أجل مناصرة استقلال وتحرير كل الأراضي المستعمرة في أفريقيا خارجيًا.

إذًا، ساندت حكومات وشعوب أفريقيا، وقد ذكرنا بعضها، وعلى قدر استطاعتها كفاح الجزائر، وبادرت للوقوف معه. ويمكن القول: هنا مغزى نضال الشعوب، وكيف تتوطد العلاقات الإنسانية، أيّ؛ من خلال الكفاح والمطالب المشروعة العامة والحوار السياسي البناء.

 

 

ذاكرة الشعب الجزائري لا تنسى مواقف “الاتحاد السوفيتي”

موسكو تحتضن اجتماعات عسكرية واستخبارية رفيعة بين الجزائر وروسيا

كما كان “الاتحاد السوفييتي”سابقا، وروسيا حاليا من بين الدول الأبرز التي دعمت وساندت حرب التحرير الجزائرية سياسياً وعسكرياً، وكانت أول دولة في العالم تعترف بالحكومة الجزائرية المؤقتة.

ولقد بدأت العلاقات الجزائرية السوفياتية عندما كان لهيب الثورة الجزائرية يمتد في نهاية الخمسينات من القرن العشرين، وتحولت بوصلتها من عداء وتأييد لدور فرنسا في الجزائر بحجة عدم التدخل في مصالح “الشعوب الفرنسية”، الى تأييد صريح للكفاح “العادل والشرعي الذي يخوضه الجزائريون بشجاعة” ما أسهم في بناء قاعدة من التعاون الصلب و المتين بين البلدين بعد استقلال الجزائر عام 1962م،حيث تحولت الجزائر الى بوابة للاتحاد السوفياتي في منطقة المغرب الكبير وقارة وافريقيا، وتحول الاتحاد السوفياتي الى ” أكبر حليف” للجزائر طيلة ثلاثة عقود تقريبا،

وأكد رئيس أركان الجيش الجزائري، السعيد شنقريحة، أن بلاده تبذل قصارى جهدها لزيادة وتعزيز القدرات الدفاعية لقواتها لمواجهة التحديات والتهديدات التي يدعمها السلوك الغربي الهدام.

وأشار شنقريحة خلال لقائه مع وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو،خلال العام الجاري إلى أن ذاكرة الشعب الجزائري تحتفظ مدى الحياة بالمكانة التي أخدها الاتحاد السوفيتي عام 1954 خلال الثورة الجزائرية، بالإضافة إلى الفوائد والمساعدات التي قدمتها روسيا، ممثلة بالقوات الروسية للجيش الوطني الجزائري لتعزيز قدراته الدفاعية، وكذلك لمواجهة التهديدات والتحديات التي تواجه البلاد.

وأضاف: “نحن في الجزائر نبذل قصارى جهدنا لزيادة وتعزيز القدرات الدفاعية لقواتنا المسلحة، التي ستسمح لنا بالتغلب على التهديدات المحتملة التي نواجهها، والمخاطر في جميع الظروف وجميع التحديات التي نواجهها في الواقع الحالي في القرن الحادي والعشرين حيث تضع دولتنا في اعتبارها أن كل هذا يدعمه السلوك الغربي الهدام”.

ومن جهته أكد شويغو استعداد موسكو للمساعدة بتعزيز القدرات القتالية للقوات الجزائرية.

لقد ساهم الخبراء السوفيت مساهمة فعالة في تطوير الإقتصاد الجزائري. كما أنّ الاف الطلاب الجزائريين تلقوا العلم في الجامعات السوفيتية. بدأ التعاون التجاري والاقتصادي بين روسيا والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية منذ ستينيات القرن الماضي حين منح الاتحاد السوفيتي الجزائر قروضا لاغراض التنمية الاقتصادية بمبلغ ملياري دولار. وقدم المساعدة الكبيرة في إنشاء القاعدة الصناعية الوطنية وتطوير فروع الاقتصاد مثل الطاقة والتعدين والصلب والحديد وبناء الماكينات وانشاء المشاريع المائية.

وكانت الجزائر أيقونة هذا النهج في ستينات القرن العشرين.