أنوار من جامع الجزائر

الثبات بعد رمضان – الجزء الأول-

الثبات بعد رمضان – الجزء الأول-

لقد رَحَلَ عنَّا شهرُ الصِّيام شهْرُ المكرماتِ والنَّفَحَاتِ ، وانقضَتْ أيَّامهُ الفَاضِلةُ فقدْ كانتْ أيَّامَ أنْسٍ ومُناجَاةٍ ، لتصْعَدَ بأعمالِنَا إلى البَارِي جلَّ وعَلَا، فكانَ مِنَّا الموَفَّقُون العامِلُونَ، وكان منَّا الخامِلونَ العَاطلُونَ، فهنيئًا لمن كانَ فيه من المقبُولينَ، ولميزانِ حسناتِهِ من المُثَقِّلين، ولرحمةِ ربهِ من الرَّاجينَ، ولدرجَاتِ الإحسَانِ من المُرتَقينَ، وسحقًا ثم خيبةً لمن كانَ فيه من المُبْعَدِين، ولميزانِ حسناتِهِ من المُخِفِّينَ، ولدرجاتِ الإحسانِ من النَّازلينَ. رأى وهبُ بنُ الوردِ قومًا يَضْحَكُون يومَ عيدٍ فقالَ: “إن كانَ هؤلاءِ تُقُبِّلَ منهُم صيامُهُم فمَا هذَا فعْلُ الشَّاكرينَ، وإن كانُوا لم يُتَقَّبَلْ منهُمْ صيامُهُم فمَا هذَا فعلُ الخَائِفِينَ”، وعن عليٍّ رضيَ الله عنهُ أنَّهُ قال: “كُونُوا لقَبولِ العمَلِ أشدَّ اهتمَامًا منكُم بالعمَلِ، ألمْ تسمَعُوا قولَ الله عزَّ وجلَّ: إنَّما يَتَقَبَّل اللهُ من المتَّقِينَ”. سَلُوا أنفُسَكُم بعْدَ انقضَاءِ رمضَانَ: هلْ وفَّيْتُم الشَّهْرَ حقَّهُ؟، هلْ صُمْتُمْ للَّهِ حقَّ الصِّيامِ؟، هلْ قُمْتُم للهِ حقَّ القِيَامِ؟ هلْ تصدَّقْتُمْ في وُجُوهِ البرِّ والإحْسَانِ؟، هلْ صاحَبْتُمُ القُرْآنَ، فتلوْتُمُوهُ آناءَ الليلِ وأطْرَافَ النَّهَارِ؟، هلِ ازْدَدْتُم منَ اللهِ قُرْبًا، أمْ لَمْ تَزْدَادُوا إلَّا بُعْدًا عن الدَّيَّانِ؟، فحَاسِبُوا أنفُسَكُم قبلَ أن تُحَاسَبُوا، وزِنُوا أعْمَالَكُم قبلَ أن تُوزَنَ عَلَيْكُم، فرَحِمَ اللهُ امْرَءًا شَدَّدَ حسَابَهُ في دنيَاهُ ليخِفَّ في أُخْرَاهُ، فإنَّ المَوْقِفَ بينَ يدَيِ اللهِ عَصِيبٌ. إنَّ شَهْرَ المغْفِرةِ والعتقِ قدْ ولَّى إلَى غيرِ رجْعَةٍ، وقدْ تَرَكَ في النَّفسِ غُصَّةً، لَا تُطْفِئُها إلاَّ لذَّةُ القَبُولِ منَ اللهِ تعَالَى، والرِّضَا عنهُ سُبْحَانه، وأمَّا منْ حُرِمَ خيرَ الشَّهْرِ، فأدْرَكَهُ ولمْ يُغْفَرْ لَهُ، فأبْعَدَهُ اللهُ وأخزَاهُ، فقدْ ثَبَتَ في صَحِيحِ ابنِ حبَّانَ عنْ أبِي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ: أن النَّبيَّ عليهِ السَّلامُ صَعِدَ المنبَرَ، فقالَ: آمين، آمين، آمين، قيلَ يا رسُولَ اللهِ: إنَّكَ صَعِدتَ المنبَرَ، فقلتَ: آمين، آمين، آمين، قال: إنَّ جبريلَ آتانِي فقال: منْ أدْرَكَ شهرَ رمضانَ فلَمْ يُغْفَرْ لهُ، فدَخَلَ النَّارَ، فأَبْعَدَهُ اللهُ، قلْ: آمينَ، فقلتُ: آمين، ومَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْه أوْ أَحَدَهُمَا فلَمْ يَبَرَّهُمَا فمَاتَ فدَخَلَ النَّارَ، فأَبْعَدَهُ اللهُ، قلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ومَنْ ذُكِرْتُ عندَهُ فلَمْ يُصَلِّ عليَّ، فمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللهُ، قلْ: آمين، فقلت آمين.

 

الجزء الأول من خطبة الجمعة من جامع الجزائر