على إثر تفشي جائحة كورونا التي عمَّت أمم الأرض بلا استثناء أو استئذان، وأصبحت وباء مستطيرًا وجائحة عالمية أصابت الملايين وحصدت أرواح مئات الآلاف، وفرضت على العالم بأسره أوضاعًا استثنائية وحرجة، وتغيرات مفاجئة جمَّة، أثَّرت على الصحة العامة، وطالت مختلف مناحي الحياة، ولا زال العلم والعالم يكافح ويناضل لتخفيف منه والبحث عن علاجه، فإن الناظر في هذا الحدث الجلل يجد فيه أبلغ عبرة وعظة، فها هو كائن طفيلي مجهري لا يرى بالعين المجردة يغزو العالم كله، ويشلُّ حركته أرضًا وجوًّا وبحرًا، ويهدد حياة الملايين من البشر، الذين يحاولون بأرقى تقنياتهم وأحدث علومهم وأقوى إمكاناتهم مواجهته والتصدي له، فما أحوج الخلق إلى رحمة الله ومعونته وتوفيقه.
إن الرؤية الإسلامية لمعالجة الكوارث والأوبئة من منظور عقدي تقوم على مبدأ ابتلاء العليم الخبير للبشر بالسراء والضراء، فيلزمهم تجاه الكوارث الثقة في حكمة مولاهم والتسليم له، والأمل فيما عنده من الخير، والتمسُّك بما أمر به وأرشد إليه من اتخاذ الأسباب والتضامن والتعاون على الخير والبر والتقوى والنفع العام. التوكل على الله عبادة قلبية من أعظم العبادات، أُمر بها الأنبياء والمرسلون، كما أمر به رسولنا صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون ” وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ” آل عمران: 122، والله تعالى الذي أمر بالتوكل عليه هو الذي أقام الكون على قانون الأخذ بالأسباب والمسببات، فمن يتوكل على الله ولا يأخذ بالأسباب شخص متمرد على هذا القانون الإلهي العظيم، فالمؤمن الحق رغم أخذه بالأسباب إلا أنه يثق في أنَّ الله سبحانه هو وحده الذي يحقق النتائج في الأسباب.
والرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد المتوكلين كان يتداوى ويأمر الناس بالتداوي؛ فترك الأسباب إساءة للأدب مع الله عزَّ وجلَّ والحديث النبوي الصحيح: ” لكلِّ داءٍ دواءٌ فإذا أُصِيبَ دواءُ الدَّاءِ بَرَأَ بإذنِ اللهِ” أصل عظيم في الجمع بين الأخذ بالأسباب والتوكل على خالق الداء والدواء، وأمل وبشرى للإنسانية. التوكل قيمة كبرى في حياة المؤمنين، تتوجه به قلوبهم إلى خالقهم في مختلف الظروف والأحوال، وخاصة في وقت الشدائد والمحن، يستمدون منه العون والتوفيق لزوال الغُمة وانكشاف الكُربة، ويأخذون بالأسباب التي تعينهم على ذلك.