التوكل في زمن الوباء

التوكل في زمن الوباء

التوكل على الله من مقتضيات الإيمان، وهو الثقة بما عند الله واليأس عما في أيدي الناس، وهو المعنى الذي خاطب الله به “وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” المائدة: .23. ولا ريب أن المسبب الحقيقي هو الله سبحانه، كما قال تعالى: ” وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ” يونس: 107، فهو الذي يمرض ويشفي ويعطي ويمنع، فليكن المرء واثقاً بربه متوكلاً عليه، حسن الظن به، ومن صدق في توكله كفاه الله ما يخافه. والعبد قصير النظر، بعيد الأمل، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، فلابد أن يكل أمره لله لمن خلقه وقدره وسيره، فهو الذي يحي ويميت، ويضر وينفع، ويغني ويُقني، فإذا أيقن العبد بهذه الحقيقة الإيمانية لم يتخل عنه موعود الله: “وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ” الطلاق: 3.

المؤمن المتوكل وسطٌ بين طرفي الإفراط والتفريط، فمنهم من طرح التوكل جانباً ورأى أن لنفسه الحول والطول، ومنهم من انبطح على وجهه ولم يسع سعي المتوكلين، وكلا طرفي قصدِ الأمور ذميمُ. إننا في زمن الوباء الذي عرفنا بدايته ولا نعرف نهايته، وأن الذي أنزل الداء سينزل الدواء ولابد، وأن الأخذ بأسباب الوقاية منه لا ينافي التوكل، وأن من أصيب به فلحق بربه فذلك أجله المحتوم الذي قدر عليه في الأزل، وأن من صبر على الابتلاء به في نفسه أو رزقه سينال أجر الصابرين. هذا هو الذي ينبغي أن نعيشه واقعاً مع وباء كورونا الذي لا يكاد يفِر حتى يكِر، ولعله يستمر حتى يكون جزءاً من حياة الناس كسائر الأوبئة القديمة، فلا سبيل إلى تجاوز محنته إلا بصدق التوكل على الله سبحانه، فمن توكل عليه كفاه، ومن اعتصم به هداه، ومن اتقى به وقاه، وبذلك سنريح أنفسنا من كثير مما أصابنا، ونعيش بقية حياتنا مع مولانا على مراده سبحانه منا، لا على مرادنا لأنفسنا. نسأل الله تعالى الحفظ والسلامة للجميع، والشفاء للمرضى، وأن يجعلنا من عباده الذين يتوكلون على الله حق توكله. فحافظوا على بيوتكم وأسركم، بلبس الكمامات، وتقليل التجمعات، وترك المصافحة والمعانقة، وادعوا وأنتم موقنون بإجابة أن يرفع ما حل بكم من بلاء وداء.