إطار تنظيمي شامل يُضبط حركة الطائرات دون طيار عبر التراب الوطني

التفاصيل الكاملة حول نهضة “الدرونز” في الجزائر

التفاصيل الكاملة حول نهضة “الدرونز” في الجزائر
  • اعتماد موحد.. والمركز الوطني يمسك بزمام الترخيص

  • ملف تقني إلزامي ومعايير دقيقة لضمان السلامة الجوية

  • تصنيف جديد للمنظومات بين الترفيه والاحتراف والمهام الأمنية

تشهد الجزائر خلال الفترة الأخيرة، إطلاق إطار تنظيمي دقيق وغير مسبوق لاستخدام الطائرات بدون طيار، بعد صدور قرارات وزارية مشتركة حددت للمرة الأولى شروط المصادقة على هذه المنظومات وتصنيفها وكيفيات اعتمادها للأغراض الترفيهية والمهنية والأمنية.

ويمنح هذا الإطار القانوني الجديد صلاحيات حصرية للمركز الوطني لمنظومات الطائرات بدون طيار، باعتباره الجهة الوحيدة المخولة قانونا بترخيص استخدامها داخل التراب الوطني، مع إلزام أصحاب الطلبات بملفات تقنية كاملة واحترام معايير صارمة تضمن السلامة والأمن وفق التنظيم المعمول به.

 

الإطار القانوني الجديد لتنظيم “الدرونز” في الجزائر

ويكشف القرار الوزاري المشترك الصادر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية عن وضع منظومة قانونية واضحة تُحدد بدقة شروط وكيفيات اعتماد الطائرات بدون طيار داخل الجزائر، من خلال نص موقع من رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، ووزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية ووزير النقل. وجاء هذا الإطار ليضع حدا لحالة الغموض التي كانت تحيط باستخدام هذه الأجهزة، عبر تحديد فئاتها ووضع الضوابط التقنية والإدارية الخاصة بها. وتضمن القرار تعريفا دقيقا لما يُقصد بمنظومات الطائرات بدون طيار على المتن، سواء تلك المصنعة بكميات كبيرة لأغراض التسويق أو المصنوعة خصيصا للاستعمال الخاص دون تغيير في هيكلها أو برمجتها. ويهدف هذا التعريف إلى ضبط نطاق المنظومات المعنية بالإجراءات الجديدة وضمان خضوعها جميعا لنفس المعايير التنظيمية. ويحدد الإطار القانوني الجديد آليات اعتماد هذه المنظومات، حيث لا يمكن لأي طائرة بدون طيار جاهزة للاستخدام داخل التراب الوطني أن تعمل دون شهادة مصادقة رسمية تُثبت مطابقتها للنظام المعمول به. ويأتي هذا الإجراء في سياق تعزيز الرقابة على القطاع وضمان إدماج كل منظومة ضمن السجل الوطني المعتمد. كما تمت الإشارة إلى أن هذه المصادقة تُعد خطوة أساسية لتأمين المجال الجوي الوطني، عبر وضع نظام موحد لتنظيم الاستخدامات الترفيهية والمهنية، وأيضا التطبيقات الأمنية والإنقاذية التي تستعمل فيها الدولة منظومات متقدمة من الأصناف العليا، بما ينسجم مع متطلبات السلامة وحماية المصلحة العامة.

 

الجهة الوحيدة المخوّلة بالترخيص والمصادقة

وفي امتداد لهذا الإطار التنظيمي، يؤكد القرار أن المركز الوطني لمنظومات الطائرات بدون طيار على المتن هو الجهة الوحيدة المخوّلة بمنح شهادات المصادقة داخل الجزائر، ما يمنح المؤسسة صفة المرجعية التقنية والقانونية في هذا المجال. ويأتي هذا التمركز المؤسساتي بهدف توحيد آليات التقييم والاعتماد وضمان خضوع جميع الأجهزة لنفس المعايير، بعيدا عن أي تعدد في مصادر الترخيص أو تضارب في الإجراءات. ويقوم المركز الوطني بدراسة ملفات المصادقة المودعة لديه وفق آجال محددة وبإجراءات دقيقة تضمن الشفافية والمطابقة للتنظيم الساري المفعول. ويُعدّ حصول أي منظومة على شهادة المصادقة شرطا إلزاميا لدخولها الخدمة، سواء كانت للاستخدام الترفيهي أو المهني أو ضمن مهام الدولة الخاصة بالأمن والإنقاذ ومكافحة الحرائق. كما يميّز القرار بين نوعين من شهادات المصادقة: الأولى شهادة المصادقة للنوع الموجهة للمنظومات المصنعة بشكل تسلسلي والمتداولة بكميات كبيرة، أما الثانية فهي شهادة المصادقة المحدودة التي تُمنح للمنظومات المصنوعة بصفة خاصة وغير الموجهة للتسويق. ويهدف هذا التمييز إلى التعامل مع مختلف نماذج الأجهزة، حسب طبيعة إنتاجها واستخدامها. ويفرض القرار على المركز الوطني مسؤولية التأكد من مطابقة كل منظومة للمعايير التقنية والتنظيمية قبل منح شهادة المصادقة، مع الاحتفاظ بحق طلب فحوصات إضافية أو إجراء زيارات ميدانية عند الضرورة. ويمنح هذا الدور الموسّع للمركز إطارا موحدا لتنظيم حركة “الدرونز” وضمان استخدامها في بيئة آمنة ومراقبة وفق المتطلبات الوطنية.

 

ملف المصادقة.. وثائق إلزامية ومعايير دقيقة

وتتواصل الإجراءات التنظيمية بتحديد الشروط الخاصة بإيداع ملف المصادقة لدى المركز الوطني، حيث يلزم القرار أصحاب الطلبات بتقديم نسخة من الاعتماد أو الترخيص ساري المفعول الصادر عن الجهة نفسها، إلى جانب ملف تقني مفصّل يتضمن معلومات شاملة حول المنظومة. ويشمل هذا الملف دليل الطيران أو طريقة الاستعمال، وتعليمات الصيانة، وشهادة المطابقة أو التصميم أو ما يعادلها، على أن تكون صادرة عن بلد التصنيع أو هيئة قانونية معتمدة أو المصنع نفسه، بما يضمن مصداقية البيانات المقدمة. ويتم إيداع الملف على مستوى المركز مقابل وصل إيداع رسمي، غير أن القرار يشدد على أن أي ملف غير مكتمل يُرفض تلقائيا، مع إبلاغ صاحبه خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ الإيداع. ويهدف هذا الإجراء إلى تجنب تراكم الملفات الناقصة وضمان معالجة فعّالة للطلبات دون تعطيل للمتعاملين أو للإدارة. كما يمنح القرار للمركز الوطني، حق إرسال ممثليه إلى موقع وجود المنظومة لفحصها ميدانيا عند الحاجة، وهو إجراء يُمكّن الخبراء من تقييم الجاهزية التقنية بشكل مباشر والتحقق من مطابقة المواصفات الواردة في الوثائق، خصوصا بالنسبة للمنظومات الموجهة لأغراض مهنية أو خاصة. ويُلزم المركز بالبتّ في الطلب خلال أجل أقصاه ستون يوما من تاريخ قبول الملف، مع إصدار قرار بالمصادقة أو الرفض. وفي حال الرفض، يتعين أن يكون القرار معللا قانونيا، مما يوفر شفافية أكبر ويتيح لطالب المصادقة معرفة أسباب عدم قبول ملفه وفق التنظيم المعمول به.

 

تصنيف المنظومات.. من الاستخدام الترفيهي إلى المهام الأمنية

وبالانتقال إلى الجانب التقني، يضع القرار الوزاري المشترك تصنيفا دقيقا لمنظومات الطائرات بدون طيار، بما يسمح بتنظيم استخدامها وفق طبيعة المهام المخصصة لها. ويبدأ هذا التصنيف بـ الفئة الأولى، وهي الطائرات بدون طيار من الصنف واحد، والموجهة حصرا للاستخدامات الترفيهية أو المنافسات، حيث تُعد هذه الفئة الأقل تعقيدا من الناحية التقنية، وتخضع لمعايير مبسطة تضمن استخدامها في إطار آمن ومنضبط داخل الفضاء الجوي الوطني. أما الفئة الثانية، فتشمل المنظومات التي تندرج فيها الطائرات من الأصناف واحد أو اثنين أو ثلاثة، والمخصصة للأغراض المهنية أو الخاصة، مثل التصوير الجوي، والمسح الهندسي، ومراقبة المنشآت، وغيرها من الاستخدامات المتخصصة. وتخضع هذه الفئة لمتطلبات تقنية أكثر صرامة، نظرا لطبيعة المهام التي يمكن أن تؤديها ودورها المتزايد في الأنشطة الاقتصادية والخدماتية. وتتعلق الفئة الثالثة بالمنظومات التابعة للدولة، وتشمل الطائرات بدون طيار من الأصناف واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة، وهي الفئة الأكثر حساسية نظرا لارتباطها بمهام الأمن والإنقاذ والتدخل السريع ومكافحة الحرائق. وتُستعمل هذه المنظومات ضمن منظومة وطنية متكاملة تشرف عليها مختلف أجهزة الدولة، بما يضمن جاهزيتها واستجابتها للمهام ذات الطابع الاستعجالي. ويؤكد القرار أن لكل فئة متطلبات تقنية خاصة يجب احترامها قبل اعتماد المنظومة، ابتداء من أنظمة اليقظة الجغرافية والتعريف الإلكتروني، مرورا بتوافقها مع قواعد الاتصالات الإلكترونية ونطاقات التردد المعتمدة، وصولا إلى الإشارات الضوئية الإلزامية بالنسبة للفئات المهنية والأمنية. ويتيح هذا التصنيف بناء منظومة استخدام متدرّجة تضمن الأمن والسلامة دون المساس بالفرص الاقتصادية والاستعمالات الحديثة للطائرات بدون طيار.

 

مراقبة التشغيل.. من المتابعة المستمرة إلى الإخطار الإجباري

وفي سياق استكمال المنظومة التنظيمية، يشدد القرار الوزاري على ضرورة ضمان متابعة دقيقة للمنظومات المصادق عليها طوال مدة استخدامها، حيث يُلزم أصحاب الطائرات بدون طيار بإخطار المركز الوطني بأي مستجدات قد تؤثر على وضعها التقني أو القانوني. ويتعلق ذلك خصوصا بالقرارات الصادرة عن سلطات بلد المنشأ أو البلدان التي تُسوق فيها المنظومة، سواء كانت قرارات منع أو تقييد أو تحديثات تقنية مهمة، لما لهذه المعلومات من تأثير مباشر على صلاحية الجهاز وسلامة تشغيله داخل الجزائر. كما ينص القرار على وجوب إعلام المركز بأي تعديلات تطرأ على المنظومة المصادق عليها، خصوصا تلك التي تتعلق بخصائصها التقنية أو برمجياتها أو مكوناتها الأساسية. ويُعتبر هذا الإخطار ضروريا حتى لا تفقد المنظومة مطابقتها للمعايير المحددة، ويتيح للجهة المختصة إعادة تقييمها أو طلب فحوصات إضافية عند الضرورة، بما يضمن استمرار استخدامها في إطار آمن ومنضبط. وبالنسبة للمنظومات المصممة أو المصنعة داخل المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري التابعة لوزارة الدفاع الوطني والموجهة للتسويق، ينص القرار على أنها تخضع لـ معادلة مصادقة يسلمها المركز الوطني، بما يضمن توحيد الإجراءات بين المنتجات الوطنية وتلك المستوردة أو المصممة خصيصا، مع الحفاظ على مستوى واحد من الرقابة التقنية والتنظيمية. ويؤكد القرار في مجمله على أن تسليم شهادة المصادقة النهائية يبقى مشروطا باحترام كل الأحكام المذكورة، وأن المركز الوطني يحتفظ بحق فرض شروط إضافية كلما اقتضت متطلبات الأمن والسلامة ذلك. وبذلك تكتمل سلسلة الرقابة على دورة حياة “الدرونز”، من لحظة الإيداع إلى التشغيل ثم التحديث أو الإخطار، في إطار يضمن الاستخدام المسؤول لهذه التكنولوجيا داخل التراب الوطني. وتُبرز هذه الإجراءات الجديدة، أن الجزائر تتجه نحو بناء منظومة متكاملة لتنظيم استخدام الطائرات بدون طيار، في خطوة تعكس وعيا متزايدا بأهمية هذه التكنولوجيا وما يمكن أن توفره من فرص اقتصادية وخدماتية وأمنية. فالإطار القانوني الذي تم وضعه لا يقتصر على تحديد شروط المصادقة، بل يشمل رؤية أشمل تقوم على ضبط حركة هذه الأجهزة داخل المجال الجوي الوطني، وتوجيه استخدامها بما يخدم المصلحة العامة ويضمن سلامة الأفراد والمنشآت. ويُعدّ توحيد الجهة المخولة بالترخيص والمراقبة مؤشرا على رغبة الدولة في إرساء قواعد واضحة وفعالة، تمنع الفوضى وتتيح في الوقت نفسه تطوير القطاع بشكل منسجم مع المعايير الدولية. كما يعكس هذا المسار التنظيمي، اهتماما متزايدا من السلطات بمتابعة دورة حياة المنظومة، بدءا من لحظة طلب المصادقة، مرورا بعمليات التشغيل والصيانة، وصولا إلى التحديث أو الإخطار الإجباري، وهو ما يضمن شفافية أكبر ويخلق بيئة آمنة لمستخدمي هذه الأجهزة. ويمثل التصنيف الدقيق للمنظومات خطوة أساسية لإدراج كل نوع ضمن إطار تقني وتنظيمي محدد، بما يسمح بالاستفادة من القدرات المختلفة للطائرات بدون طيار، سواء في المجال الترفيهي أو المهني أو ضمن مهام الدولة الحساسة، من دون المساس بمتطلبات الأمن الوطني أو قواعد الاتصالات. وفي ضوء هذه المنظومة الشاملة، تبدو الجزائر مقبلة على مرحلة جديدة قد تشهد توسعا تدريجيا في استخدام التكنولوجيات المرتبطة بـ”الدرونز”، مع فتح الباب أمام تطوير صناعات وطنية في هذا المجال، خصوصا مع وضوح القواعد التنظيمية وتحديد شروط التسويق والتعديل والتصنيع. وتبقى هذه الإجراءات خطوة أولى نحو إرساء بيئة متوازنة تجمع بين الرقابة الصارمة وتشجيع الاستثمار، وتتيح للفاعلين الاقتصاديين والأفراد الانخراط في هذا القطاع الواعد ضمن إطار قانوني مستقر، يضمن الاستخدام المسؤول والآمن للتكنولوجيا داخل البلاد.