يجمع العديد من الأخصائيين على أن التعرض المفرط للشاشات بات آفة تهدد الصحة العقلية والنفسية والجسدية للأطفال، محذرين من عواقبها الوخيمة.
ويشير الدكتور بالطيب أرسلان، وهو اختصاصي في علم الأوبئة بمصلحة علم الأوبئة بالمؤسسة الاستشفائية الجامعية “1 نوفمبر 1954” لوهران، إلى نقص كبير في الوعي لدى الأولياء حول التأثير الخطير الذي يمكن أن يحدثه التعرض المفرط للشاشات على أطفالهم.
وأبرز بأنه “في كثير من الأحيان، الأولياء المنهمكون في الحياة اليومية، هم من يقعون في فخ ترك الأطفال يتعرضون بشكل مفرط للشاشات، حتى يتمكنوا من القيام بمهامهم، أو الحصول على قسط من الراحة، أو الخروج، أو الذهاب إلى العمل”، مؤكداً أن هذا الأمر يعتبر مشكلة حقيقية، لأن هذا التعرض المتكرر والمفرط يتحول مع الوقت إلى إدمان.
كما أشار إلى أن العديد من الأولياء لا يبدون مدركين حجم الخطر، حيث يعتبرون أنه مجرد وسيلة لتسلية وإلهاء أطفالهم.
من جهته، ذكر اختصاصي علم الأوبئة الهادي بلعربي، رئيس مصلحة الوقاية في المؤسسة العمومية للصحة الجوارية بالصديقية بوهران، والذي يقود حملات التوعية منذ سنوات أن التعرض المفرط للشاشات لا يشكل خطرا واحدا، بل مجموعة من الأخطار.
ويختلف الخطر حسب سن الطفل، يضيف هذا المختص الذي أبرز أن التعرض للشاشات قبل سن الثالثة قد يؤدي إلى اضطرابات سلوكية.
وقال “إن الأطفال الذين يتعرضون بشكل مفرط للشاشات قبل سن الثالثة يكونون معرضين إلى خطر عدم اكتساب المهارات اللازمة للتفاعل مع أسرهم ومن حولهم، حيث يكونون في وضعية الاستقبال المستمر مما يبرمجهم على الاستقبال دون أي ردة فعل”.
وتؤكد السيدة مختاري مليكة وهي مديرة روضة “الفراشات الزرقاء” ببئر الجير، أنها قادرة على التمييز بين الأطفال المعرضين إلى الشاشات بشكل كبير، حيث يكون سلوكهم مختلفا عن الأطفال العاديين.
وأضافت أنها منذ الأيام الأولى لمجيء طفل جديد، تستطيع أن تخمن ما إذا كان يتعرض بشكل مفرط للشاشات أم لا، مشيرة إلى أن هؤلاء الأطفال يكونون شبه مغيبين يفتقرون إلى التفاعل والتحفيز، ويواجهون صعوبات في التعلم.
وقالت السيدة مختاري إنها تقوم بالاستقصاء مع أولياء الأمور حول حقيقة الأمر وغالباً ما يتم تأكيد شكوكها. وعندما يتقبل الأهل نصيحتها ويقللون من تعريض أطفالهم بشكل مفرط للشاشات، تلاحظ تحولا لدى هؤلاء لأطفال، الذين يستعيدون اليقظة والفضول الطبيعي لغير المدمنين على الشاشات.
وفي بعض الحالات، لا يكفي إيقاف التعرض، حيث يكون الضرر كبيرا جدًا ويصبح من الضروري اللجوء إلى مساعدة المختصين. ويقول رفيق، وهو أب لخمسة أطفال، “واجه وضعا مماثلا مع أصغرهم وسيم، البالغ من العمر الآن 7 سنوات، أن هذا الأخير بلغ سن الخامسة، ولم يكن بعد قادرا على الكلام”.
وعشية دخول وسيم إلى المدرسة، اضطر إلى اصطحابه إلى العديد من المتخصصين للتكفل بمشاكل النطق والتعلم لديه. وكان من الضروري حينها تدخل أخصائي نفساني ومعالج نطق وحضانة متخصصة في هذا النوع من الحالات لإخراجه من “فقاعاته”.
وأفاد المتحدث بأنه يدرك أن “ابنه تعرض بشكل مفرط للشاشات، طوال اليوم مع المربية المكلفة برعايته، ثم في المنزل، لأن كلا الوالدين يعودان إلى المنزل في حالة تعب بعد يوم عمل طويل”.
ويسترسل متأسفاً “لقد دفعنا ثمناً باهضاً لهذا الاختيار السهل، لأنه بعد سنوات من المتابعة مع المختصين، لا يزال ابني يعاني من آثار لاحقة، مع اضطرابات في التعلم وصعوبات دراسية”.
مخاطر أخرى تنتظر الأطفال والمراهقين
ويؤكد البروفيسور عماني مولاي علي، رئيس مصلحة طب الأعصاب بالمركز الاستشفائي الجامعي “الدكتور بن زرجب” لوهران أن “التعرض المفرط للشاشات يسبب اضطرابات في النوم والقلق والإرهاق والعزلة الاجتماعية وحتى الانهيارات العصبية لدى بعض الأطفال والمراهقين”.
أما نسيمة، وهي أم لثلاثة أطفال، فقد أوضحت أنها “عاشت كابوسًا في الصائفة الماضية مع ابنها الأكبر مليك، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 15 عامًا، والذي أصيب بانهيار عصبي بسبب الاستعمال المفرط لألعاب الفيديو”.
وبدأت قصة ابنها منذ حوالي عام ونصف بعدما أهدته هاتفا ذكيا بمناسبة نجاحه في امتحان نهاية الطور المتوسط، حيث أصبح هذا الهاتف الشغل الشاغل للمراهق الذي لم يكن يفارقه لا بالليل ولا بالنهار، فيما لم تتدخل الأم، التي كانت مشغولة طوال اليوم بعملها، لوضع حد لهذه المسألة. واستمر مليك أشهرا على هذه الحالة إلى أن “أصيب بانهيار عصبي، بسبب قلة النوم والقلق الناتج عن التعرض المفرط للشاشات”.
وأصبح مليك في حالة صعبة، يعاني من الهذيان، ويتصرف كما لو كان في لعبة فيديو، حيث يسدد طلقات نارية بمسدس خيالي ويقول أشياء لا معنى لها، مما استلزم اصطحابه إلى طبيب الأمراض العصبية للإقلاع عن الشاشات.
وتحولت حياة مليك من مراهق عادي الى مريض يتناول المهدئات بشكل يومي، واستلزم شفاءه بشكل جزئي العديد من الأسابيع، كانت فيها كل العائلة مجندة لحراسته نظرا لأن حالته العقلية كانت حرجة وكان من الممكن أن يرتكب “فعلا غير مسؤول”، على حد تعبير والدته.
ويعرض استعمال الشاشات خاصة تلك المزودة بالأنترنت إلى مخاطر عديدة كالوقوع كضحايا لمجرمي الأنترنت، والمضايقات، والاختلاس، حيث تعتبر يقظة الوالدين ضرورة ملحة، كما ينبغي أن تخضع أجهزة الأطفال الموصولة بالشبكة العنكبوتية إلى برامج الرقابة الأبوية، لحمايتهم من المواقع التي تبث محتوى غير لائق، حسب الأخصائيين الذين يعتبرون أن توعية الأطفال
والمراهقين ضرورية هي الأخرى.
ق.م