في معظم حالات التصلّب المتعدّد، هذا المرض المرتبط بالمناعة الذاتية الذي ما تزال أسبابه مجهولة، لا يفكر المريض باحتمال إصابته بالمرض.
إذ أن أعراضه قد تكون من مؤشرات الإصابة بأمراض أخرى بعيدة تماماً، كما أن الكل لا يعرف بطبيعة هذا المرض الخطير الذي لا يرحم ولا يميز بين من هم في سن الشباب ومن بلغوا مراحل متقدمة في السن.
صحيح أنه لا يسهل على شاب لا تزال الحياة أمامه ويرى المستقبل أمامه أن يكتشف إصابته بمرض من هذا النوع سيرافقه طيلة حياته من خلال ظهوره فجأة في أزمات لا يعرف مدى تكرارها ودون سابق إنذار، لكن مع تطوّر الطب وتطوّر العلاجات يتوافر العلاج الذي، وإن لم يكن شافيا، يخفف من نسبة تكرار الأزمات ومن حدتها بنسبة كبرى.
ما هو التصلّب المتعدّد؟
التصلّب المتعدّد هو مرض التهابي يصيب الجهاز العصبي المركزي، أي الدماغ والنخاع الشوكي، فيؤذي المادة البيضاء في الجهاز المركزي التي تشكل الغلاف الخارجي للأعصاب.
أما وظيفة هذه المادة فهي تسريع مرور التيار الكهربائي في الأعصاب. ويؤدي هذا الأذى إلى تآكل أو تلف في الغشاء الخارجي الأبيض، كما قد يؤذي المكوّنات الداخلية للعصب.
الأعراض التي يمكن أن تظهر لدى المريض في المرحلة الأولى
تختلف الأعراض بحسب المنطقة التي تصاب بالالتهاب، علماً ان هذا الأذى يحصل عادةً في مناطق عدة في آن واحد في المرحلة الأولى، فيمكن أن تكون المنطقة المصابة مسؤولة عن النظر أو الحركة كحركة اليد أو الساق.
ومن الممكن أن يبدأ المرض بصمت فلا تظهر أعراض واضحة كما يمكن أن تظهر أعراض بارزة، وفي أولى مراحل المرض، يمكن أن تتفاوت الأعراض بحسب المناطق المصابة فقد تكون خفيفة كما يمكن أن تكون حادة وذلك حتى في أولى المراحل.
إذ أنه يمكن أن يحصل اضطراب في النظر أو اختفاء كلي للنظر أو ازدواجية في النظر بسبب التهاب عصب العين، أيضاً يمكن أن يحصل شلل جزئي نصفي أو في أطراف معينة أو يمكن أن يظهر الاضطراب في الإحساس في الأطراف.
كما يمكن أن يظهر المرض من خلال دوار شديد قد يعتقد المريض أنه ناتج عن التهاب في الأذن.
وما يساعد أكثر في تشخيص المرض تكرار الأعراض في أماكن مختلفة في الجسم وفي أوقات مختلفة، هذا ما يسمح بتشخيص التصلّب المتعدّد من قبل الطبيب المختص.
هل يمكن أن يظهر التصلّب المتعدّد في سن مبكرة؟
يمكن أن يظهر التصلّب المتعدّد في سن مبكرة جداً وهذا هو المؤسف فعلاً، فقد يظهر في سن المراهقة، أو حتى قبل سن 10 سنوات في حالات نادرة.
كما يمكن أن تكون بداياته في سن الخمسين، لكن من الواضح أن معظم الحالات تظهر في سن 20 إلى 30 سنة.
هل من أسباب مباشرة تؤدي إلى الإصابة بالمرض؟
حتى الآن، لا تزال الأسباب المؤدية إلى الإصابة بالتصلّب المتعدد غير معروفة. لكن ما هو واضح أنه ناتج عن خلل في المناعة الداخلية ووجود مضادات ضد الجهاز العصبي. لذلك هو من أمراض المناعة الذاتية.
ويعرف حتى الآن أن الحر يساهم في حصول أزمة وظهور الأعراض، كذلك التوتر هو من العوامل المسبّبة، كما تبين أن عامل المحيط قد يؤثر.
هل تزداد الأزمة حدةً مع تكرارها
قد لا تزداد الأزمات قوة مع تكرارها مرة تلو الأخرى، لكن تكرارها قد يعرض المريض إلى تراكم الآثار التي تبقى من الأزمة، ولا يعتبر التصلّب المتعدّد من الأمراض الوراثية لكن نسبة 5 في المئة من الحالات هي موروثة. وهناك ميل بسيط إلى إصابة النساء بالمرض مقارنةً بالرجال لكن الفارق ليس بارزاً.
وإلى حد الآن لم يُعرف حتى الآن من هم الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالمرض. كما أنه لا توجد طريقة للكشف المبكر. قد يتم اكتشاف المرض في مرحلة مبكرة عن طريق الصدفة لدى إجراء الفحوص لمشكلات أخرى، لكن هذه حالات استثنائية.
كما يمكن للطبيب أن يشخّص المرض من خلال تاريخ المريض وقصة مرضه وما لاحظه من أعراض أصابته، خصوصاً إذا كانت هذه الأعراض قد تكررت في فترات مختلفة.
هل يتوافر العلاج الفاعل للمرض؟
لا يتوافر علاج فاعل يقضي نهائياً على المرض، إنما الهدف من العلاج هو الوقاية من تكرار الأزمات وتخفيف عددها وحدّتها.
وأكثر الأدوية استعمالاً في حالات الصلّب المتعدّد هي نوع من الحقن تجرى تحت الجلد 3 أو 4 مرات في الأسبوع، ومنها ما هو عبارة عن حقنة تجرى في العضل أسبوعياً.
هذا في المراحل الأولى. أما في حال تطوّر المرض وتراجع الحالة، فمع تطور الطب يتوافر نوعان من العلاج الأول بالعقاقير التي تعطى يومياً هدفها تخفيف مناعة الجسم.
لكن لا يمكن أن تعطى لمن يعاني خللاً في دقات القلب، أما النوع الثاني من العلاجات فيعطى بشكل مصل في جرعة شهرية.
ويتطلب الخضوع للعلاج أياً كان نوعه، إجراء الفحوص الدورية للدم لجهة الخلايا والكريات البيضاء وإفرازات الكبد والصفائح. وتجرى فحوص الدم عادةً كل 3 أشهر للتأكد من عدم حصول هبوط حاد في معدل الكريات البيضاء.
مدى فاعلية العلاج
تخفف الحقن من حصول الأزمات بنسبة 30 أو 35 في المئة، أما الحبوب فتخفف من حصولها بنسبة 50 أو 55 في المئة، بشكل عام العلاج لا يشفي تماماً من المرض بل يبقى هناك احتمال حصول نوبة. لكن الهدف من العلاج جعل النوبات أخف.
أما في حال حصول أزمة قوية لمدة 3 أو 5 أيام ينصح الأطباء بإعطاء الكورتيزون في المصل في المستشفى للمريض بهدف منع التلف في المنطقة المصابة لكن قد يبقى أثر أو عطل رغم ذلك.
هل يمكن أن تنجب المرأة المصابة أم أن المرض قد يشكل عائقاً؟
يمكن أن تحمل المرأة وتنجب دون مشكلة في معظم الحالات لكن من الضروري عندها وقف العلاج طوال فترة الحمل لأنه قد يؤدي إلى الإجهاض. علماً أن الحمل يحمي المرأة من الأزمات طوال فترة الحمل، ولكن تزداد نسبة حصولها مباشرةً بعد الولادة.
من هنا تظهر أهمية العلاج الدوري بالكورتيزون شهرياً بعد الولادة إضافةً إلى العلاج المعتاد، بهدف الوقاية من الأزمات.
كيف يمكن أن يقف المرض عائقاً في وجه المريض لجهة متابعة حياته الطبيعية؟
يمكن أن يشكل المرض عائقاً في وجه المريض بحسب قدرته على العمل وبحسب الآثار التي تتركها الأزمات التي يتعرض لها. صحيح أنه ثمة حالات لا يتأثر فيها المريض عندما تكون الآثار طفيفة، لكن في المقابل ثمة حالات يكون الأثر شديداً عند وجود صعوبة في المشي أو حتى استحالة المشي.
ق. م