التصرف الرشيد وقت الأزمات والنوازل

التصرف الرشيد وقت الأزمات والنوازل

الأزمة هي ما ينزل بالناس من شدة، هذه الشدة قد تكون في المال، أو في الصحة، أو في القحط والجدب، وكلها من باب البلاء الذي يصيب الإنسان، وهي سنة الحياة الدنيا التي لا تتخلف أبدًا؛ قال الله تعالى: ” تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ” الملك: 1، 2، والذي يتدبر القرآن الكريم يجد أنه مليء بالقصص التي تبين تعرُّضَ أشرف الناس وأفضلهم عند الله تعالى وهم الأنبياء لهذه الابتلاءات؛ مرة بمفردهم: كما حدث لأيوب، ويوسف، وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام، ومرة مع أقوامهم: كما حدث مع نوح عليه السلام، وموسى عليه السلام، ومن آمن معهما.

ولا يخفى علينا ما تعرض له رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم على المستوى الفردي؛ حيث لاقى ما لاقى من الصد والتكذيب الذي تبعه الأذى والتجريح والتهم التي كِيلت له، كما لاقى البلاء والشدة والأزمة في أسرته حينما تعرض لحادث الإفك، الذي شق عليه تحمله، كما شق أيضًا على أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، حتى انفرجت الأزمة بما أنزل الله من الوحي من فوق السبع الطباق، ولاقى مع أصحابه الكرام الأزمات تلو الأزمات؛ فمن أزمة الحصار في الشِّعب، إلى أزمة التهجير إلى الحبشة مرتين، وبعدها إلى المدينة المنورة.

وعلى مدى التاريخ الإسلامي تعرض المسلمون لنوازل تعددت بين عدوٍّ محارب متربص يريد القضاء على المسلمين؛ كما حدث من التتار والصليبيين، وبين مرض يجتاحهم؛ كما حدث في طاعون الشام، وبين سنين قحط وجدب وغير ذلك، والثابت تاريخيًّا والمسطر في كتب الصحيح منها أن المسلمين بأخلاقهم وموروثهم الديني تخطوا كل أزمة، وخرجوا من الواحدة تلو الأخرى وهم أكثر ثباتًا ورسوخًا. ولا يخفى علينا ما يمر به عالمنا اليوم من فزع وهلع من انتشار عدوى، وعموم بلوى تتمثل في مرض ينتشر، يتنقل من بلد إلى أخرى، فكيف يواجه المسلم ما يحدث ليكون قدوة لغيره، وليعبر هو والمحيطون به ووطنه هذا العارض، وتلك الأزمة على خير وأمان، وعافية وسلام؟

– الرضا والتسليم: أول ما ينبغي على المسلم فعله الرضا بما قدر الله وقضى؛ لأن ذلك من أسس الإيمان وأركانه، واليقين بأن ما وقع يحمل الخير الذي قد لا نعلمه في حاضرنا، أو يكون فوق قدرة تحليلنا وفهمنا العقلي؛ قال الله تعالى: ” وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ” البقرة: 216.

– التوكل على الله تعالى: ومعناه حسن الأخذ بالأسباب، وترك النتائج على الله تعالى؛ قال الله تعالى: ” وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ” الطلاق: 3، فالذي يعاني المرض، يتوكل على الله تعالى بالأخذ بأسباب الشفاء، وإذا كان البلاء عامًّا، فليتبع كل واحد من المجتمع أسباب السلامة والنجاة التي يرشدنا إليها المتخصصون وأولو الأمر في هذا الشأن.

– اللجوء إلى الله بالدعاء: وهذا السلوك يلجأ إليه المؤمن في كل أحواله؛ قال الله تعالى: ” أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ” النمل: 62، وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء” وجهد البلاء هو ما يصيب الإنسان من شدة تضعف قوته؛ سواء كان هذا البلاء جسديًّا كمرض، أو معنويًّا كإساءة من أحد الناس. نسأل الله تعالى أن يرفع عن أمتنا كل داء وبلاء، وأن يبدل خوفنا أمنًا وسلامًا.