قانون الانتخابات يخلط حساباتها ويهددها بالإقصاء من المعترك الانتخابي
استيقظت عشرات الأحزاب الفَتِية أو ما يُصطلح عليها بـ ”المجهرية” من سباتها العميق، لتَخرج من ”كهفها المظلم” تحسبا للانتخابات التشريعية، علّ وعسى تظفر بمقاعد في البرلمان، تضمن لها البُروز في المشهد
السياسي، بعدما غابت عنه طيلة السنوت الماضية، مكتفية بسياسة ”الكرسي الشاغر” عن بُعد.
مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها مطلع ماي المقبل، تسارع الأحزاب الفتية الزمن، لتبلغ وتيرة حِراكها ”السرعة السادسة ”، من أجل هيكلة المكاتب الولائية وضبط القوائم الانتخابية، وجمع التوقيعات اللازمة، قبل أيام عن استدعاء الهيئة الانتخابية لمراجعة القوائم من طرف المصالح المعنية، وهي المهمة التي تدرج في خانة ”الصعبة جدا” أو حتى ”المستحيلة” بالنسبة لأغلبها، قد ينجّر عنها الإقصاء من المعترك الانتخابي بحسب المتتبعين للشأن السياسي.
وتجلت معالم خروج هذه الأحزاب من ”أوكارها” قبل أيامٍ من الآن، عندما أعلنت 14 تشكيلة سياسية عن ميلاد ما تسمى بمبادرة “الهيئة الوطنية للأحزاب السياسية” طالبت من خلالها بإلغاء شرط الحصول على نسبة 04 بالمائة من الأصوات المعبر عنها خلال التشريعيات الأخيرة للمشاركة في انتخابات 2017 . كما تستجدي هذه الأحزاب المواطنين خاصة فئة الشباب منهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن تعذر عليها تنظيم التجمعات الولائية، للترشح في قوائمها مستخدمة بذلك شعارات ”مستهلكة ” تلفظ بها من سبقوها في المواعيد الانتخابية السابقة.
وما يعاب على الأحزاب الفتية -بحسب المتتبعين- عدم مواكبتها للأحداث التي شهدتها الجزائر خلال السنوات الماضية؛ فقد سجلت غيابها المتواصل عن المشهد السياسي والتجمعات الشعبية وغياب ثقافة الحوار مع المواطنين والنزول إلى الشارع، مكتفية في بعض الأحيان بـبيانات ”جافة” لا تسمن ولا تغني من جوع، نتج عنها جهل المواطنين لتواجد هذه الأحزاب على الخارطة السياسية.
ويرى المتتبعون للشأن السياسي في الجزائر، أن الأحزاب ”المجهرية” ستجد طريقا محفوفة بالمخاطر لضمان المشاركة في الانتخابات التشريعية أولا، والسعي لحصد المقاعد ثانيا، نظرا لِثُلاَثِية ”قانون الانتخابات الجديد”، ” المنافسة ” و”ضعف القواعد” بالنسبة لهذه الأحزاب وهي المتغيرات التي لا تصب في صالحها وتعتبر ”شوكة في الحلق” لقادتها.
وبالعودة لأهم الصعوبات التي تواجه الأحزاب ”المجهرية”، نجد ما يُسمونه بالعائق القانوني الذي تمخض عن قانون الانتخابات الجديد، ويفرض على الأحزاب الصغيرة التي تريد المشاركة في الانتخابات أن تكون قد تحصلت على 04 بالمائة من الأصوات المعبر عنها أو لها 10 منتخبين سواء في المجالس البلدية أو الولائية أو البرلمان خلال الانتخابات السابقة سنة 2012، وإن لم تُحقق ذلك، ستجد نفسها مُجبرة على جمع التوقيعات المحددة بـ 250 توقيع لكل مقعد، أما بالنسبة للأحزاب التي تأسست بعد سنة 2012 فستجد نفسها هي الأخرى مُرغمة على جمع 250 توقيع لكل مقعد لضمان المشاركة في الانتخابات.
وإن استطاعت هذه الأحزاب المرور بسلام عن الأطر القانونية التي تكفل لها خوض غمار الانتخابات، ستجد نفسها في منعرج ”المنافسة” نظرا لتواجد أحزاب ذات ”وزن” تصنف في خانة ”الكبرى” وتمتلك قواعد نضالية ضخمة وتموقعا في الساحة السياسية يضمن لها ولاء المواطنين، مثل ”الأفلان” و”الأرندي” ، ويضاف إليهم بدرجة أقل بعض الأحزاب، وبالمقابل تعاني الأحزاب ”المجهرية” من العُزلة وقلة عدد المناضلين إن لم نقل انعدامهم بالنسبة للبعض، وهو العامل السلبي الذي يُصعّب من مأموريتها في استقطاب أسماء بارزة خلال التشريعيات القادمة.
ويُعيب المتتبعون للشأن السياسي على الأحزاب الفتية عدم اتباعها خطة الأحزاب الإسلامية التي قررت التحالف والاندماج فيما بينها مثل أحزاب ”النهضة” و”العدالة ” و”البناء ”، و”حمس” و”التغيير” للدخول بقوة في المعترك الانتخابي، في حين لم تحرك الأحزاب الفتية ساكنا للتحالف لأسباب عديدة من بينها عدم التوصل لاتفاق على من يترشح على رأس القوائم وهو ما يوضح حب الزعامة لدى هذه الأحزاب- بحسب المتتبعين.
ونظرا لهذه العوامل والمتغيرات، يتوقع المتتبعون للشأن السياسي، مستقبلا صعبا لأحزاب ”الكهف” قد يصل لحد اندثارها وتسجيل ”شهادة وفاتها” على الورق، بعد أن سجلتها على ”الميدان”، لاسيما وأن الأحزاب ”الكبرى” هي أيضا متخوفة من ”العزوف الشعبي” عن صناديق الاقتراع، نظرا لفقدان الأحزاب السياسية لمصداقيتها لدى الكثير من المواطنين الذين قدموا استقالتهم من السياسة قبل سنوات من الآن.
للإشارة، تضم المبادرة التي أعلنت عنها 14 تشكيلة سياسية كلا من الاتحاد للتجمع الديمقراطي ومنبر جزائر الغد وحزب الشباب الديمقراطي والحركة الوطنية من أجل الطبيعة والنمو والحزب الوطني الجزائري وجبهة النضال الوطني وحركة الشبيبة والديمقراطية، كما تتشكل أيضا من جبهة الحكم الراشد والحركة الوطنية للعمال الجزائريين وحزب النور الجزائري والجبهة الديمقراطية الحرة وكذا الجبهة الوطنية للأحرار من أجل الوئام والحزب الوطني للتضامن والتنمية والجبهة الوطنية الديمقراطية.
صالح سعود لـ ”الموعد اليومي” : ” السلطة ستحافظ على الأحزاب المجهرية المُطيعة، لتوظيفها في الرئاسيات ”
أفاد المُحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية، البروفيسور صالح سعود، أن ”الأحزاب المجهرية التي تسير في فلك السلطة تستطيع خلق تجمع يحميها من الشروط المنصوص عليها في قانون الانتخابات”، مضيفا أن ”السلطة والأحزاب الكبرى ستلعب دورا في تحقيق التوقيعات اللازمة للأحزاب المجهرية لخوض غمار التشريعيات” .
وأوضح صالح سعود في اتصال هاتفي مع ”الموعد اليومي”، أن ” تكوين الأحزاب في الجزائر لم يأت بطريقة طبيعية علمية كما هو متعارف عليه في دول العالم، وإنما غَلب عليها الطابع الاصطناعي، والكثير منها كان عبارة عن صناعة مشكوك في مصداقية مصدرها”، معتبرا الهدف من ذلك ”هو قيامها بدور مرسوم لها مسبقا وعندما ينتهي إما يتم إهمالها أو التخلي عنها نهائيا ولذلك غلب عليها الطابع المناسباتي لاسيما في الاستحقاقات الكبرى” .
الرئاسيات ستكون في صالح الأحزاب المجهرية
وأكد أستاذ العلوم السياسية، أن السبب في عدم تحالف الأحزاب المجهرية فيما بينها، يعود إلى ”عدم تَصوُّر هذه الأحزاب أن يكون لها حظ كبير في تحقيق ما ترغب فيه والبعض منها يدرك أنه سيكون موظفا لدى الآخرين ومن هنا يتضح أن قيادتها ستبقى تنتظر اللحظة الأخيرة لاتخاذ موقف إذا كانت تريد أن تبقى في الساحة السياسية كأحزاب أو تنتظر ماذا سيحدث في المستقبل لعلها تستطيع أن تكتسب مواقع جديدة ”.
وعن إمكانية اندثار الأحزاب المجهرية بعد الانتخابات، قال صالح سعود إن ” عديد الأحزاب التي كانت في الماضي تلعب دورا لصالح طرف أو ذاك، ستشهد اندثارها أو على الأقل إذا كانت لها نية ستشهد تجميعها في أحزاب أخرى، لأن التجربة القادمة ستكون تجربة الانتخابات الرئاسية، معتبرا أن الرئاسيات ستكون في صالح الأحزاب المجهرية وليس الأحزاب الكبيرة، لان السلطة ستحافظ على الأحزاب المجهرية التي تفضلها لتوظيفها في الرئاسيات تحت شعار المساندة ونحن نعرف أن الاستحقاقات دائما تخضع لقاعدة ما تسمى بـ (جماعات الدعم) ”
عبد العالي رزاقي لـ ” الموعد اليومي”: ”جمع التوقيعات مرتبط بأسماء المترشحين وليس بأسماء الأحزاب”
يرى المحلل السياسي وأستاذ الإعلام والاتصال، الدكتور عبد العالي رزاقي، أن تحرك الأحزاب الصغيرة في الوقت الحالي، يندرج في إطار جمع التوقيعات للتحضير للانتخابات التشريعية، مشيرا أن هذه الأحزاب أمام تحدً صعب لجمع التوقيعات المقدرة بـ 250 توقيع لكل مقعد .
وقال عبد العالي رزاقي في اتصال مع ”الموعد اليومي” ، إن ” مسألة جمع التوقيعات بالنسبة للأحزاب الصغيرة مرتبطة بأسماء المترشحين وليس بأسماء الأحزاب أصلا”، مشيرا أنه إذا كان المترشح في هذه الأحزاب له مكانة لدى المواطنين يستطيع جمع التوقيعات بكل سهولة.
وأكد المتحدث، أنه ما عدا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي اللذين يستطيعان الدخول في الانتخابات التشريعية دون عناء، لا توجد أحزاب قادرة أو غير قادرة وإنما هناك أشخاص مرشحون قادرون على جمع التوقيعات أم لا، متسائلا إن كان المواطنون سيعطون لهم أصواتهم.
وبخصوص إمكانية اندثار الأحزاب الفتية مع نهاية الانتخابات، أوضح رزاقي أن كل حزب سيصل للمجلس الشعبي الوطني سيكون له وزن في الساحة السياسية ومن لم يحصد أي مقعد فهو غير موجود أصلا في المشهد السياسي، معتبرا أن مصطلح حزب كبير أو صغير لا معنى له.
محمد طيبي لـ ”الموعد اليومي” : ”الأحزاب المجهرية تحمل علامات تجارية أكثر منها سياسية ”
أكد المحلل السياسي، الدكتور محمد طيبي، أن استيقاظ الأحزاب الصغيرة في هذه الفترة يرجع لرغبتها في استقطاب المترشحين نظرا لعدم امتلاكها لمناضلين وقوة إقناع، مشيرا أنها تقدم خدمة مجانية للأشخاص الذين لم يجدوا حزبا للترشح فيه.
واعتبر محمد طيبي في اتصال هاتفي مع ”الموعد اليومي” أن خطوة الأحزاب في استجداء المواطنين للترشح في قوائمها، يعد من المظاهر الشاذة في السياسة تشير بشكل واضح إلى تدني قيم التنمية البشرية، لأنها -بحسبه- تستخف بالمسؤولية المدنية ونشاطها مضر للصور العامة لكل الأحزاب، وأكد أن الأحزاب الصغيرة في الجزائر تحمل علامات تجارية أكثر ما هي سياسية.
المساومة على ” الممكن والمستحيل” لا توجد في السياسة
وبخصوص قُدرة الأحزاب الصغيرة على جمع التوقيعات اللازمة، قال طيبي إن الأحزاب الصغيرة ليس لها مفر من القوانين، مؤكدا أن الحزب الذي يستطيع التغلغل في المجتمع يكون من السهل عليه تحقيق الشروط المطلوبة للمشاركة في الانتخابات، معتبرا أن مسألة المساومة على ” الممكن والمستحيل” لا توجد في السياسة.
و عن امكانية اندثار الأحزاب المجهرية بعد نهاية الانتخابات، أفاد المتحدث نفسه أن ” المسألة ليست اندثارا أو العكس، الإشكالية هي أن الحزب واقع قانوني، فهي أصلا مندثرة سياسيا، والعمل الحزبي يتواصل بالانتخابات أو بدونها، أما نتائج الانتخابات فهي ثمار ما يحققه الحزب ” .
وعن عدم تحالف الأحزاب المجهرية فيما بينها، قال طيبي إن السبب يعود لغياب الاستشراف والاستراتيجيات والأهداف التي من المفترض أن يرسمها كل حزب سياسي لدى نشأته، معتبرا أن السياسة حسابات ومن يحسن ذلك يحقق النتائج.