تحولت مدينة عنابة، خلال الأيام الأخيرة، ومع العد التنازلي لاقتراب شهر رمضان إلى فضاء خصب لتنامي التجارة الفوضوية، التي استحوذت على الأرصفة وشوارع المدينة.
فالمتجول داخل هذه المساحات التجارية سيلاحظ انتشارا واسعا للباعة غير الشرعيين الباحثين عن بعض الدنانير وسط اقبال واسع للمواطنين خاصة منهم النساء والأطفال لاقتناء مستلزمات رمضان من أواني وألبسة وطواقم خاصة بالفتيات والأطفال الصغار. وأمام اكتظاظ شوارع بونة بسيل من البشر القادمين من الجهات الأربعة، انتشرت عناصر الشرطة في كل مكان لتأمين كل النقاط السوداء من السرقات والاعتداءات، إلى جانب الحفاظ على الهدوء الداخلي للمنطقة.
“الحطاب”…..سوق حقيقي لقياس المستوى المعيشي للفقراء
سوق الحطاب، “ريحة عنابة القديمة مولات السور الواتي” كما يطلقون عليها محليا، بونة الجميلة التي بسطت ذراعيها لكل العائلات الفقيرة وذات المستوى المعيشي المحدود، تنهض على غير عاداتها على أصوات العربات المتنقلة، يبدأ كل ذلك بعد صلاة الفجر مباشرة، حيث تسمع تدافع الباعة الصغار مع التجار الكبار الذين ينهضون قبل طلوع الفجر وبروز خيوط الشمس الأولى، كل شخص له قصة مع سوق الحطاب الذي يتوسط مدينة عنابة عاصمة أبو مروان الشريف، السوق يوجد بالمحاذاة من محطة الحافلات سويداني بوجمعة، كما يحيط به مزار سيدي الحطاب وفرع إداري، ناهيك عن عدة حوانيت شيدت متلاصقة كل منها له غرضه الخاص، كل هذه التركيبة البيئية والجغرافية أعطت روحا للمكان، فكأن المسؤولين الذين توافدوا على ولاية عنابة أغرتهم هذه الفسيسفاء القديمة جدا، فرغم إلحاح أحد الولاة السابقين على إزالة سوق الحطاب بعد إعداده لمخطط تحويله خارج المدينة وقد أُختير له مكان عند مدخل سيدي إبراهيم، إلا أن ذلك القرار ذهب مع ذهاب الوالي وبقي الخطاب شامخا ليعيش منه الزوالي والمغبون. فالمتجول فيه سيلاحظ أطفالا صغارا في سن التمدرس يعرضون عضلاتهم الصغيرة لبيع كل ما تبحث عنه عين الزبائن من ديول، خبز الدار، الغرايف وحتى المعجنات المصنوعة في المنزل مثل المقرطفة المعروفة لدى العائلات العنابية بالنواصر، ناهيك عن عرض حتى الفطير والشخشوخة، كل الطلبات تجدها في سوق الحطاب، وقد تعلّم الباعة جيدا كيفية عرض سلعتهم مقابل بعض الدنانير لتغطية نفقاتهم اليومية وحتى مساعدة عائلاتهم.
غيّرنا الوجهة إلى عدة خانات متواجدة على طول السوق تم تنظيمها وتهيئتها من طرف مصالح بلدية عنابة والتي كانت قد رصدت منذ شهرين غلافا ماليا معتبرا ليتم ربط السوق بالكهرباء مع ترميم وتهيئة أرضيته وطلاء الجدران لتحويله إلى سوق أقل ما يقال عنه صالح للعرض والطلب، وتتسع مساحاته لبيع اللحوم والأسماك وحتى مواد التنظيف وغيرها كل شيء مسموح ويباع في هذه السوق التي يسيرها كبار الممولين لكن لا يظهرون حسب العارفين بالسوق إلا عند عرض سلعهم للباعة الصغار.
أسواق جوارية….. نقطة لبيع المسروقات والمسامير والبراغي
يستغل بعض الشباب المتورطين في قضايا السرقات خاصة منها الهواتف النقالة وكذلك بعض المواد الكهرومنزلية بعض أسواق المدينة لعرضها، حيث يتم بيعها بأسعار رخيصة للتخلص منها والتملص من تحقيق الشرطة التي تقف لهم بالمرصاد وتعرف كل تنقلاتهم داخل هذه النقاط ، وعليه تجد دائما عناصر إضافية من الأمن تصول وتجول، لتضع حدا لهؤلاء الأشخاص الذين يلبسون رداء الباعة لبيع مسروقاتهم، ورغم هذه التجاوزات التي يعرفها سكان عنابة وما جاورها تجدهم يترددون على العديد من الأسواق المفتوحة على بيع مثل هذه الأدوات لاقتنائها بسعر مغري، خاصة منهم الباحثين عن سلع غير مغشوشة.
“العرسان الجدد” يقبلون على شراء غرف النوم من أسواق مخصصة لبيع كل ما هو قديم
إقبال منقطع النظير من طرف العرسان والمقبلين على الزواج لاقتناء غرف نوم مستعملة تعرض في سوق خاص ومن طرف باعة يقومون بإصلاحها وطلائها لإعادة بيعها بسعر مقبول لا يلهب جيوب الفقراء. جمال، خالد وعلي وجدناهم منهمكين في اختيار واقتناء نوعية جيدة لغرفهم، وعلى حد تعبيرهم فإن مثل هذه الأسواق فرصة لشراء كل ما هو معاد، لكنه صالح للاستعمال ويليق بالزواج. وحسب خالد الذي بقي على عرسه 20 يوما، فإن سعر غرفته لم يتعدَ مليون ونصف رغم أن الغرفة ذات نوعية جيدة ومصنوعة من الخشب الأحمر، صالح هو الآخر شاب مر على زواجه شهرين بعد جمعه للمال اختار الذهاب إلى هذا السوق لاقتناء غرفة نوم كان منهمكا في وضعها على الشاحنة.
سوق الشيفون….. مصدر للأمراض والحساسية
تحج يوميا عشرات العائلات الفقيرة والمحدودة الدخل بعنابة إلى سوق الشيفون المتواجد بوسط المدينة، الذي أصبح مقياسا حقيقيا للفقر في المنطقة، أمام تدني القدرة الشرائية والتسريح الجماعي للعمال، الأمر الذي زاد في تأجيج الوضع بهذه الولاية التي _ترفض_ أن تكون ولاية متطورة في مختلف القطاعات والمجالات، رغم أنها تتوفر على نسيج صناعي كبير.
تبدأ الحركة تدب في الأزقة القريبة من هذا السوق عند الساعة السابعة صباحا، ومعها تكتظ الأزقة والأرصفة التي تمتد إلى آخر نقطة تحتوي فيها سوق الشيفون، أين يكثر الإقبال على أجنحة هذه السوق التي تكاثرت فيها مختلف الألبسة.
وفي هذا الإطار، اعتبر أحد الباعة أن نشاطه يجلب إليه الكثير من الناس على مختلف فئاتهم، وهو لا يتردد في بيع جميع الأنواع، حتى الداخلية منها، رغم أن القانون يمنع ذلك، لكنه تحجج بطلب الزبائن. وتصل أثمان السراويل والقمصان إلى ربع ثمنها المعتاد بالمحلات التجارية الأخرى، كما أن ثمن _البالة_ حسب أحد التجار، يصل إلى ما بين المليون والمليوني سنتيم.
وفي الجهة المقابلة للسوق لا يختلف الأمر كثيرا، غير أن الأثمان تكاد تكون أقل إلى النصف أحيانا من التي تعلنها المحلات الأخرى، وهو ما يجعل الإقبال عليها أكبر في المناسبات، يقول أحد الزبائن _إن الألبسة هنا زهيدة الثمن ولا تختلف كثيرا عن مثيلاتها في المحلات، ونحن مضطرون لشرائها، لأن السروال الذي يتجاوز ثمنه 1700 دج على الأقل، لا يمكن أن يتحمل عبء هذه الأسعار إلا من تجاوز راتبه الستة ملايين سنتيم كحد أدنى”.
غيرنا الوجهة إلى الجناح الآخر فوجدنا عائلات أخرى تبحث عن شيئا يليق بها وسط كومة الملابس، ومع نهاية السوق تتعالى الأصوات بتوحيد ثمن الوحدة أقمصة سراويل فساتين الحبة بـ 12 ألف،_يا الله يا ڤليل_.. ويدخل الجميع في منافسة حادة، والمهم البيع والربح السريع. من جهتهم أكد المختصون في الجانب الصحي، خلال تقاريرهم السنوية، أن الملابس المستعملة قد تتسبب في الإصابة بالحساسية والطفح الجلدي والأمراض المزمنة الأخرى، نتيجة التخزين السيء لملابس الشيفون، ما يؤدي إلى تنامي الفطريات التي تشكل خطرا على صحة الزبون وعلى جهازه التنفسي والهضمي.
تهيئة 6 أسواق لإعادة تنظيم قطاع التجارة
رصد لعمليات الترميم والتهيئة ما يقارب غلاف مالي لتهيئة وترميم 6 أسواق، العملية تخص السوق المركزي الذي يعتبر العصب الرئيسي لقطاع التجارة بالولاية، الذي خصص له مليار و370 مليون دينار وسوق حي الميناديا 800 مليون دينار، وسوق الصفصاف 90 مليون سنتيم، فيما رصد لسوق بوزراد حسين أكثر من 2 مليار سنتيم و600 مليون سنتيم والسوق الجواري لواد فرشة بأكثر من 830 مليون سنتيم، علما أن عملية التهيئة في شقها الأول شملت سوق وادي الفرشة.
وحسب جلسة العمل التي جمعت رئيس بلدية عنابة مع والي الولاية، في وقت سابق فإن المصالح البلدية قد اقتطعت من ميزانيتها الإضافية المتعلقة بالسنة الجارية وذلك لتحسين مستوى الإنتاج بهذه الأسواق الجوارية. وفي سياق متصل، من المنتظر أن تطلق مصالح بلدية عنابة مشروع إنجاز ألف محل جديد، يدخل في إطار امتصاص التجارة الفوضوية، عن طريق توفير مناصب شغل جوارية موجهة لحاملي الشهادات الجامعية، وكذلك المتخرجين من المراكز المهنية، وقد تم اختيار أرضية المشروع بمنطقة البوني، كما رصد لعملية إنجاز ألف محل نحو 6 ملايير سنتيم .
من جهة أخرى، طالب تجار سوق الخضر والفواكه بالحطاب بوسط مدينة عنابة بضرورة تدخل الجهات الوصية من أجل النظر في الأوضاع الصعبة التي يوجد عليها السوق المغطى لاسيما في السنوات الأخيرة، لذا اقترح تجار الخضر والفواكه تخصيص غلاف مالي لإعادة الاعتبار لهذا السوق الذي طاله الإهمال واللامبالاة، في ظل غياب التهيئة وانعدام الإنارة به.
كما قال بعض التجار إن الخانات المتواجدة بالسوق المغطى عبارة عن مساحات ضيقة مغطاة بالألواح الخشبية والصفيح، الأمر الذي يؤدي إلى تسرب كميات معتبرة من المياه، حيث يتحول المكان إلى برك موحلة، الأمر الذي يؤدي إلى تلف الفواكه والخضر ومختلف المواد الغذائية الأخرى، وفي هذا الشأن يضيف تاجر آخر أن حالة السوق في تدهور خاصة أمام انبعاث الروائح الكريهة وانتشار الأوحال، ما يصعب على مرتادي السوق اجتيازها، حتى أن المواطنين يجدون في أغلب الأحيان صعوبة في التبضع واقتناء سلعهم.
وقد أشار تجار سوق الحطاب إلى مشكل تنامي الناموس والحشرات الضارة بسبب تزايد عدد البرك المائية التي يخلفها تساقط الأمطار، وحذر بعض الباعة من تنقل هذه الأمراض إلى المستهلك، وعليه يناشد التجار الجهات الوصية التدخل للنظر في الأوضاع الكارثية التي وصل إليها هذا السوق الذي يعتبر من أهم الأسواق المحلية في عنابة.
800 تاجر وبائع متجول يفرضون قوتهم على الطرقات
حسب إحصائيات مصادر عليمة، فإن هناك نحو 800 تاجر فوضوي يسيطرون على هذه المساحات المفتوحة على التجارة الموسمية ويعرضون سلعهم دون مراقبة من طرف أعوان التجارة الذين يتعاملون معهم بالجانب الاجتماعي دون مطاردتهم، أما بالنسبة للتجار والباعة الفوضويين فقد قالوا لنا _إننا تعودنا على البيع في الطريق لأنها فرصة للاستثمار بمثل هذه الأماكن التي تعرف حركة كبيرة للمواطنين وزوار عنابة، فأغلبية البطالين يستغلون هذه المناسبات لممارسة تجارتهم_. وأمام انتشار هذه الظاهرة بمدينة عنابة، أكدت مديرية التجارة تحضيرها لمخطط طموح قبل رمضان لمواجهة فوضى الأسواق بمختلف أنواعها بعنابة، ووضع حد للتجارة الفوضوية الموجودة على مستوى الطرقات بعد أن كانت تقتصر على المحلات وأرصفة الأحياء فقط.
أنفال. خ