إن من حِكم إنزال القرآن ومقاصده الكبرى تثبيتَ المؤمنين، لا سيما وقت الشدائد والمحن؛ يقول الله تعالى: ” قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ” النحل: 102. تلكم الحقيقة الكبرى قد انطوت عليها نفوس الصحابة الكرام، حين جعلوا كتاب الله عدتهم في معالجة الفتن والأزمات. في الأزمات تضطرب القلوب، ولن تجد رابطًا لسكونها وطمأنينتها سوى القرآن الذي وصَفه منزِّله جل وعلا بالقول الثقيل: ” إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ” المزمل: 5، وهو الذكر الحكيم الذي تطمئن به القلوب، ” أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ” الرعد: 28؛
وفي القرآن صور لتثبيت الله للمؤمنين وقت الأزمات بشيء من مخلوقاته وجنده، ” وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ” المدثر: 31، ألم يرسل الملائكة أن ثبتوا الذين آمنوا، وأنزل المطر ليُثبت به الأقدام، وأطلق سبب فرَجه للمؤمنين وإن استحكمت عليهم أزمة تسلُّط الكافرين، فقال ” فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ ” المائدة: 52. وفيه الزاد الإلهي والعون الرباني في تخطِّي عناء رحلة البلاء من حثٍّ على الاستعانة بالصبر والصلاة: ” وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ” البقرة: 45، خاصة قيام الليل: ” قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ” المزمل: 2 – 4.
وحتى يكون القرآن لنا عدة في البلاء والأزمات، فلا بد لنا من تعاهده، بجعل وردٍ يومي منه وإن قلَّ، نتلوه، ونتفهم آياته، ونعمل بأوامره، وننتهي عن زواجره، وندعو بأدعيته، ونحرك به القلوب عند تلاوته واستماعه، ونستشفي به من الأمراض الحسية والمعنوية، ونتبصر مآلاته في الحوادث، وخير سُبل تعلُّم القرآن تقسيمه على آيات قليلة، فهي أدعى للثبات والتثبيت؛ كما قال تعالى: ” وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ” الفرقان: 32، وأن تكون دراسته بفَهم السلف الصالح من خلال مصنفاتهم السابقة والحديثة.