وفق ما تشير إليه نتائج كثير من الدراسات العلمية الحديثة، يبدو أن الباحثين العلميين والطبيين قد تجاوزوا مرحلة تأكيد “الجدوى الغذائية” لتناول البطيخ ذي اللب الأحمر بناء على القيمة الغذائية الجيدة لمحتواه من المعادن والفيتامينات والألياف والماء، وأضحوا اليوم يخوضون بعمق بحثي أكثر في تتبع جوانب متعددة لـ “الجدوى الوظيفية” التي يوفرها للجسم تناول البطيخ، وخاصة التأثيرات الوظيفية الإيجابية للمركبات الكيميائية التي تتركز في البطيخ، وذلك بتحسين وتنشيط عمل أعضاء شتى في الجسم ووقايتها المحتملة جراء ذلك من الإصابة بالأمراض.
دراسات جديدة
وقد نشرت خلال الأسابيع القليلة الماضية، ثلاث دراسات علمية تطبيقية في المجلات العلمية المعنية بالتغذية الإكلينيكية حول البطيخ وعدد من التأثيرات الصحية الإيجابية المحتملة له.
ورغم أن الهدف العلمي حالياً ليس إثبات أن تناول البطيخ علاج لأي من الأمراض أو أن لديه قدرات ثابتة علمياً للوقاية منها، فإن التعرف العلمي على التأثيرات الصحية الإيجابية لتناول البطيخ يطرحه بوصفه منتجا غذائيا صحيا يجدر الحرص على تناوله.
وضمن عدد 13 جوان الماضي لمجلة “التطورات الحالية في التغذية”، الصادرة عن المجمع الأمريكي للتغذية، عرض الباحثون من معهد إلينوي للتكنولوجيا نتائج دراستهم التجريبية حول تأثيرات مواد سيترولين وأرجنين في البطيخ على الأداء الوظيفي لبطانة الأوعية الدموية لدى الإنسان.
وقال الباحثون في مقدمة دراستهم ما ملخصه: يُعتبر ضعف عمل بطانة الأوعية الدموية من أوائل العوامل التي تنبئ باحتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وكفاءة عمل البطانة يعتمد على التوافر الحيوي لمركب أكسيد النتريك، الذي يضمن توفره استجابة أفضل في توسيع مجرى الأوعية الدموية.
وقال الباحثون في محصلة نتائج الدراسة: “بيانات نتائج هذه الدراسة التجريبية، غير المسبوقة، تُظهر وجود ارتباط إيجابي محتمل بين زيادة استجابة الأوعية الدموية للتوسع – عند ضرورة زيادة تدفق الدم من خلالها – وبين تركيزات مركبات سيترولين والأرجينين للبطيخ في الدم لدى الإنسان. ومثل هذه النتائج تشجع على إجراء دراسات أوسع من أجل تحديد التأثير الإكلينيكي المحتمل لاستهلاك البطيخ على تحسين وظيفة بطانة الأوعية الدموية”.
وقاية القلب
وضمن العدد نفسه من مجلة «التطورات الحالية في التغذية» عرض الباحثون من جامعة سان دييغو نتائج دراستهم المبدئية لتقييم تأثيرات تناول البطيخ الطازج على عوامل خطورة الإصابة بأمراض القلب لدى ذوي الوزن الزائد ومنْ لديهم سمنة. وقال الباحثون في مقدمة الدراسة: “يتمتع البطيخ بإمكانية كبيرة في الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية بسبب احتوائه على مستويات عالية من الألياف والفيتامينات والمعادن والمركبات الكيميائية النشطة بيولوجياً مثل سيترولين والليكوبين وبيتا كاروتين”.
ولدى مجموعة صغيرة العدد من أولئك المشمولين بالدراسة، تمت متابعة كل من: وزن الجسم، وضغط الدم، ومستويات الغلوكوز والأنسولين، والدهون، والقدرة المضادة للأكسدة، قبل وبعد تناول كوبين يومياً من البطيخ الطازج لمدة أربعة أسابيع. وقالوا في ملخص نتائج الدراسة: “هذه النتائج تشير إلى أن الاستهلاك اليومي للبطيخ الطازج يحسن نسبة الدهون ووزن الجسم، ويقلل من ضغط الدم، ويزيد من قدرة مضادات الأكسدة، والتي قد يكون لها آثار على الأمراض المزمنة مثل الأمراض القلبية الوعائية”.
تخفيف الجوع
وقال الباحثون تحديداً: «أسفر التأثير المباشر لتناول كوبين من قطع البطيخ الطازج (تحتوي على 92 كالوري) عن ارتفاع الشعور بالشبع بدرجة أكبر عند المقارنة بتناول وجبة خفيفة من البسكويت قليل الدسم (تحتوي على 92 كالورى). واستمر الشعور بـ «جوعٍ أقل» لمدة ساعتين بعد تناول وجبة خفيفة من البطيخ، في حين أن تناول وجبة خفيفة من البسكويت قليل الدسم قلل من الجوع لمدة تصل إلى 20 دقيقة فقط.
وأضافوا: “توضح هذه الدراسة أنه يمكن تحقيق انخفاض في وزن الجسم ومؤشر كتلة الجسم وضغط الدم من خلال الاستهلاك اليومي للبطيخ، مما يحسن أيضا بعض العوامل المرتبطة بزيادة الوزن والسمنة. والبطيخ كغذاء طبيعي، يوفر الألياف والمغذيات الدقيقة والكيمياء النباتية الحيوية، ولذا قد يكون البطيخ بديلاً أكثر صحة للوجبات الخفيفة التقليدية”.
بذوره… مجال آخر للبحث العلمي والفوائد الغذائية
في سياق «الفوائد الصحية المحتملة الأخرى» من البطيخ، تأتي بشكل متنام بذور هذه الفاكهة كموضوع للبحوث الصحية العلمية. وتمت دراستها لاحتوائها على المواد المضادة للأكسدة والمضادة للالتهابات. ومن منظور غذائي، تعد بذور البطيخ غنية بالمواد المغذية التي تحتوي عليها طبقة اللب في هذه الفاكهة، وربما أكثر منها. وعلى سبيل المثال، نجد مركبات الفلافونويد، والكاروتينات، والأحماض الفينولية، والبروتينات، والكربوهيدرات، والدهون في بذور البطيخ.
وبالنسبة للجزء الأكبر من تلك البحوث العلمية، ركزت في دراسة بذور البطيخ على المجالات الرئيسية نفسها للفوائد الصحية المحتملة للب البطيخ، وهي فوائد مضادات الأكسدة ومضادات الالتهابات وتنشيط عمل الأوعية الدموية.
وكقيمة غذائية، تحتوي كل أونصة (29 غراما) من بذور البطيخ المقشرة (مكونة من نحو 350 حبة)، على نحو 160 كالوري، 50 في المائة منها تأتي من الدهون التي تبلغ نحو 9 غرامات، 90 في المائة منها دهون صحية غير مشبعة. وتشكل الكربوهيدرات 16 غراما، 90 في المائة منها ألياف كربوهيدراتية. وتشكل البروتينات نحو 6 غرامات.
وتتركز في البذور معادن الحديد والفسفور والمغنيزيوم والبوتاسيوم والزنك والمنغنيز بكميات تغطي ما يفوق 30 في المائة من حاجة الجسم اليومية إليها.
ق. م