الانتحار…الأسباب والعلاج

الانتحار…الأسباب والعلاج

 

من الممارسات السلبية في حياتنا ما يُقدِم عليه البعض من الانتحار وإزهاق أرواحهم، وهذا الأمر يحتاج إلى رؤية شرعية تأصيلية؛ لبيان ما فيه من أنواع الخلل والمعصية لله سبحانه وتعالى. ولا بد للمجتمع كله من معرفة الأسباب والدوافع، ومن ثَمَّ الوقاية والعلاج؛ حتى لا يستمر هذا الفعل فينا. في البداية نقول: إن استباحة الإنسان للانتحار ناشئٌ عن ظنٍّ خاطئ، وهو اعتقاده أنه يمتلك الحياة، وأن من حقه أن يفعل فيها ما يشاء. والذي أفاده الإسلام بهذا الخصوص هو أن الحياة منفصلة عن الإنسان؛ من حيث كونها عطاءً ومنحة إلهية، بل إن الحياة كالإنسان نفسه، فإذا كان الإنسان مخلوقًا، فالحياة هي أيضًا مخلوقة؛ فقد ذكر تعالى ” الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ” الملك: 2، فالحياة إذًا ليست ملكًا للإنسان يفعل فيها ما يشاء.

وهذا الذي ينتحر ظانًّا أنه يتخفف من ألم، أو وضع اجتماعي يعيشه، أو ألم عاطفي، أو من أجل الاحتجاج على شيء لا يحبِّذه – قد أخطأ التصرف؛ فإن الإنسان حينما يعيش واقعًا مزريًا، فإن أمامه شيئًا واحدًا هو أن يغالبَ ويواجه ويجاهد من أجل تغيير واقعه، ولكنه حينما ينتحر يكون قد انسحب وانهزم؛ فلا معنى لتصوير الانتحار على أنه بطولة؛ لأنه إعلان لعدم القدرة على الاستمرار. والقرآن الكريم حينما أشار إلى هذا الأمر، أشار إلى سبب مهم وهو فِقدان الثقة بالله وعدم الاطمئنان إلى رحمة الله؛ فقد قال تعالى ” وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ” النساء: 29؛ أي: إن الناس لو استحضروا أن الله رحيمٌ بهم، وأن ما يمرون به إنما هو أزمة عابرة لا تستمر، وأن الفرج يأتي بعد الشدة لَتَجاوزا تلك الشدائد، فاحترامُنا لنفوسنا يجب أن يكون أولى، فلا يُباح بحالٍ من الأحوال أن يقتل أحد نفسه؛ فمهما اشتدت المصائب على المؤمن، فإنه يصبر ويحتسب ولا ينقطع رجاؤه من الفرج الإلهي.

وفي الحديث الشريف: “ما يصيب المؤمن من وَصَبٍ ولا نَصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حزن، ولا أذًى ولا غمٍّ، حتى الشوكة يُشاكُها إلا كفَّر الله من خطاياه” رواه أحمد. وفي الرضا بأقدار الله، ورجاء رحمته سبحانه وفرجه، والابتعاد عن اليأس من رحمته. قال تعالى على لسان يعقوب عليه السلام ” إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ” يوسف: 87، أيضًا من أسباب الإقدام على الانتحار الخَواءُ الروحي، وهو نسيان الإنسان أن له معينًا وهو الله سبحانه وتعالى؛ فالإنسان ليس وحده في الكون فهو مدعوم من الله سبحانه؛ كما ذكر الله تعالى عن نبيه موسى عليه السلام ” قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ” الشعراء: 62، وقال تعالى ” وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ” هود: 6، فعلى الإنسان أن يواجه الشدائد بروح الإحساس بالدعم والعون الإلهي؛ قال تعالى ” الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب ” الرعد: 28، فالقلوب تطمئن؛ لأنها توقن بالله من فوقها، وأنه معها في جميع أحوالها،  وفي الأخير علينا دائمًا أن نذكِّرَ مَن تحدِّثه نفسه بالانتحار بالنصوص التي حذرت من ذلك، وأن الانتحار من كبائر الذنوب.