الاستنصار بالدعاء

الاستنصار بالدعاء

إنَّ نصرَ اللهِ قريبٌ؛ قد يُنْزِلُه بدعوةِ خَفِيٍّ صالحٍ، أو عاجزٍ مستضعَفٍ، أو مقهورٍ مظلومٍ لم يجدْ له ناصراً إلا اللهَ؛ فكيف إذا اجتمعتْ في أمةٍ ذاتِ جسدٍ واحدٍ، إنِ اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالحُمَّى والسَّهرِ؟! ومِن هنا باتَ نظرُ شُداةِ الفتوحِ والنصرِ مُصَوَّبَ البحثِ عن أولئك الذين يُستنزَلُ بدعائهم النصرُ، كما قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّمَا يَنْصُرُ اللهُ ‌هَذِهِ ‌الْأُمَّةَ ‌بِضَعِيفِهَا؛ بِدَعْوَتِهِمْ، وَصَلَاتِهِمْ، وَإِخْلَاصِهِمْ ” رواه النسائيُّ وصحّحَه الألبانيُّ، وكان يقولُ: ” ابْغُونِي الضعفاءَ؛ فإنما تُرْزَقُون وتُنْصَرُون بضعفائكم ” رواه أبو داودَ وحسَّنه النوويُ. وذَكَرَ الحافظُ ابنُ عبدِ البَرِّ أنَّ أحدَ ولاةِ الجَوْرِ كان يَفتخِرُ بسطْوتِه ويقولُ: قد ضبطتُّ العراقَ بيميني، وشمالي فارغةٌ؛ يريدُ ولايةً أخرى، فأُخبرَ بذلك عبد الله بنُ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما، فقال: مُرُوا العجائزَ؛ يدعون اللهَ عليه، ففعلنَ، فخرجَ بأصبعِه طاعونٌ؛ فماتَ منه. وكان صلاحُ الدينِ الأيوبيُّ يَقصدُ في معاركِه الجُمعَ، خاصةً أوقاتَ صلاةِ الجُمعةِ؛ تبرُّكاً بدعاءِ الخطباءِ على المنابرِ، الذي هو أقربُ ما يكونُ إلى الإجابةِ. إنما كان الاستنصارُ بالدعاءِ أقوى جالبٍ لنصرِ اللهِ؛ لامتلائه بمعاني التوحيدِ التي لا يَستحِقُّ النصرَ إلا مَن حقَّقَها، “‌وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ”؛ فالاستنصارُ بالدعاءِ تفريدٌ لمَصدرِ النصرِ الربانيِّ، وحُسْنُ ظنٍّ بكرمِ الإلهِ، وانكسارٌ لجلالِ المولى النصيرِ، وافتقارٌ للربِّ القديرِ، وتبرُّؤٌ من الحولِ والقوةِ، وإقرارٌ بالذنوبِ والإسرافِ في الأمرِ واستقالةٌ لها بالتوبةِ، وتعاهدٌ على الاستقامةِ.

فهل يَخْذُلُ اللهُ الكريمُ مَن هذا حالُه؟! “وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”. قال ابنُ القيِّمِ: ” وَقَدِ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنَّ خِلَعَ النَّصْرِ وَجَوَائِزَهُ إِنَّمَا تَفِيضُ عَلَى أَهْلِ ‌الِانْكِسَارِ “. وإذا أنزلَ اللهُ نصرَه على عبادِه لم تَصْمُدْ أمامَهم أعتى قوةٍ وإنْ تآلَبَ العالَمُ عليهم وفاقَهم عدوُّهم عَدداً وعُدَّةً، وإنْ أُديلَ عليهم، وأَثْخنَ فيهمُ الجراحَ؛ ثَبَتوا، وصبروا صبْرَ الجبالِ الرواسي، ولم يَهِنُوا، ولم يَستكينوا، ولم يَستسلموا؛ إذ قصارى قوةِ الأعداءِ ما تَفَتَّقَتْ به طاقةُ البَشرِ وجُهدُهم، وقوةُ أولئك البررةِ المؤمنين التي يُقاتلون بها قوةٌ ربانيةٌ لا تَنْفُدُ، ولا تُغلبُ، ولا تُقهرُ؛ وهل يَصمدُ أمامَ قوةِ اللهِ أيُّ قوةٍ؟! ومِن هنا كان النصرُ هو العاقبةَ المُحَتَّمَةَ وإنْ طال الزمنُ، وأصابَهمُ القَرْحُ، وتوارتْ عن العيونِ علائمُ الفتحِ المبينِ، ما دام طلّابُ النصرِ الربانيِّ على شرعِه سائرين ثابتين، ولتنزلِه سائلين مُلِحِّين، ولإعدادِ القوةِ حسْبِ طاقتِهم جادِّين؛ إذ لا يَعلمُ حينَ تنزُّلِ النصرِ سوى مَن يُنْزِلُه سبحانه، الذي يعلمُ بحكمتِه متى يُنْزِلُه؟ وأين يُنْزِلُه؟ وكيف يُنْزِلُه؟.

 

من موقع الالوكة الإسلامي