الاستغفار وقاية وارتقاء

الاستغفار وقاية وارتقاء

 

خلق الله الإنسان، وهو وحده العالم بتفاصيل تكوينه وكينونته، ولأن الله تعالى وحده المالك لصفة الكمال، فإن ما دونه تعالى مُعرَّض للنقصان في الأداء؛ بسبب شراسة الغرائز والتعرُّض للإكراه؛ لذلك ارتضى الله لعباده المؤمنين الشريعة الإسلامية منهاجًا يحتوي على أسباب ارتقاء الإنسان ووقايته نوائب الإفراط والتفريط في أدائه بوصفه مخلوقًا عاقًلا مسؤولًا، ومن هذه الأسباب الاستغفار، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “الاستغفار يخرج العبد من الفعل المكروه إلى الفعل المحبوب، ومن العمل الناقص إلى العمل التامِّ، ويرفع العبد من المقام الأدنى إلى الأعلى منه والأكمل”. وقال رحمه الله في موضع آخر: “الذنوب سبب للضرِّ، والاستغفار يُزيل أسبابه؛ كما قال الله تعالى: ” وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ” الأنفال: 33، فأخبر أنه سبحانه لا يعذِّب مستغفرًا”.

وقد أورد البخاري في صحيحه بابًا أسماه: “باب أفضل الاستغفار”، وقوله تعالى: “اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ” نوح: 10، 12. ” وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ” آل عمران: 135، والحديث عن أوس بن شداد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرِّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت”، قال: “ومن قالها من النهار وهو موقن بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يُصبح، فهو من أهل الجنة”. إن المؤمن بالله تعالى يرجو رحمة الله كلَّ حين، ويستغفر الله دومًا كلما تنبَّه لنقص أو ضَعفٍ أو توفيق في أدائه، وما نال أحد فضل ربه، وارتقى فيه، إلا إذا أتى ما أراده ربُّه سبحانه وتعالى.