بدأت عادة استرجاع جلود كباش عيد الأضحى التي كانت راسخة لدى العائلات الجزائرية تتلاشى شيئا فشيئا نظرا للتحولات التي عرفها المجتمع ولكن أيضا بسبب العواقب المضرة التي يشكلها جلد الكباش على
الصحة.
وكان جلد كباش العيد يستعمل دائما كمقعد أو كزربية، وقديما كان تواجد عدد كبير من الجلود في المنزل دليلا على ثراء العائلة فتكون خير ما يزين به ديكور المنازل.
“الهيدورة “عنوان الفخامة في الماضي
وقبيل كل عيد أضحى تكثر الأحاديث بين النسوة حول كيفية التعامل مع “الهيدورة “، ففي الماضي كان الحديث حول كيفية العناية بها أما الآن فتحول ذلك الحديث إلى طرق التخلص منها، وحول هذا الموضوع قالت لنا الحاجة مباركة إنها ما زالت تفضل الجلوس على جلد الكبش، وذكرت أن “الهيدورة ” كانت قديما تجفف بعناية وتغسل وتحفظ، وقالت بصوت يحن إلى الماضي إن “الهيدورة كانت مخصصة للضيوف المميزين” وتذكرت كيف كانت البنات يصعدن بعد مرور العيد إلى سطوح المنازل لغسل الجلود بصابون القالب”.
وأوضحت الحاجة مباركة أنه بالإضافة إلى الجو الحميمي الذي كان يخيم كانت هناك منافسة حادة بين الفتيات في نهاية عملية الغسيل حول الجلد الأكثر نصاعة.
واليوم تقوم العائلات الجزائرية لا سيما الحضرية “بالتخلص” من هذه الجلود بسبب الأخطار التي تمثلها على الصحة وكذا بسبب “عمل” الصيانة الذي تستلزمه والذي لم تعد تتقنه غالبية السيدات، وقال السيد عبد الرحمن وهو رب عائلة أنه يعطي جلد كبشه كل سنة للشخص الذي يذبحه لأنه “ليس بحاجة له”.
وأكد أن الأشخاص الذين يذبحون الكبش “يرفضون غالبا تقاضي مبلغ ولذلك نمنح لهم الجلد” مضيفا أن زوجته الموظفة “ترفض” تمليح ونشر الجلد. وأوضحت جميلة أن جلد الكباش “يتطلب عناية كبيرة لأنه بعد تمليحه يجب نشره لكي يجف ثم غسله بماء غزير ثم ضربه”، مشيرة إلى أن هذه العملية تتطلب أياما عديدة من العمل والجهد.
من جهته قال السيد اسماعيل القاطن في حي بوزريعة إنه يبقي على جلود كباش العيد لكي يأخذها إلى مسقط رأسه بالقبائل حيث يشتد البرد، واعترف أنه لا يمل من التمدد على جلد كبش حول مدفئة مع عائلته مثلما كان يفعل قديما. وقال إسماعيل إن جلود الكباش “هي من عاداتنا الراسخة. لقد كانت أمي تحتفظ بها وتستعملها خاصة في الشتاء” معتبرا انه “لا يوجد أي شيء أفضل من الصوف لسرير مريح ودافئ”.
وفي السياق نفسه قالت نوارة وهي إطار في مؤسسة وطنية أنها “وإن كانت لا تحتفظ بالهيدورة”، إلا أنها تقتلع صوفها وتستعملها في حشو الوسائد. ومن جهتها أكدت فريدة من براقي أنها أكثر “براغماتية” بما أنها تجمع جلود الجيران والأقارب وتبيعها لشخص يعمل في صناعة الجلود.
وقالت إن هذا “يمكنني من جمع مبلغ من المال لأنني أبيع جلود الكباش بأسعار تتراوح بين 300 و 500 دينار”.
“جلد الكبش عش مفضل للحشرات “
و اعتبر الأستاذ سليم. ن رئيس مصلحة الأمراض الصدرية بالمركز الاستشفائي الجامعي مصطفى باشا، أن الحفاظ على الجلد هي عادة “قديمة وعتيقة” موجودة منذ العصور الغابرة، ولكن في ذلك الزمن كان الناس يجهلون الأخطار التي تمثلها على صحة الإنسان.
وأوضح أن جلد الكبش يعتبر “عشا حقيقيا” بالنسبة لنوع معين من الحشرات هي “القراديات” التي تتغذى من التعفن العضوي، مضيفا أن هذه القراديات تعيش مع الإنسان وجلود الكباش تمكنها من التضاعف أكثر فأكثر.
وأوضح أنه “مهما نظفنا الجلد بالماء الساخن أو بالبخار فهو يستعمر فورا من طرف هذه القراديات”، مشيرا إلى أنه “من الممكن تعقيمها”.
وحذر الدكتور نافتي من أن يصبح الجلد “خطرا” على الأشخاص الذين يعانون من أمراض الحساسية ووصفها بـ”القنبلة المتأخرة الانفجار سيما بالنسبة للأطفال الذين يستنشقون كمية كبيرة من الغبار من خلالها”، مضيفا في هذا الشأن أنه “يمنع منعا باتا” النوم على جلد كبش.
ق.م