برز صلاح الدين الأيوبي على المستوى الاستراتيجي العسكري كواحد من أكبر القادة المسلمين، وتخطت شهرته البلاد الإسلامية كما سبق وذكرنا بفضل قدراته القيادية والتنظيمية. ولا تكاد سنة من السنوات تخلو من العمليات، التي كان يقوم بها، إمّا في الداخل لحفظ الأمن ولتوسيع رقعة سلطانه، وإما في الخارج العربي لضم الأجزاء العربية المتناثرة، أو في عمليات المناوشة والتحرش، والقضم والهضم التي كان يتوجه بها نحو الدولة الصليبية في فلسطين. وكانت لديه المقدرة القيادية الكافية في تحديد الفكرة الأساسية للعملية المعينة، وكان ناجحاً في التخطيط الميداني لكيفية استخدام القوى والوسائط وانتقاء الأساليب والأشكال المرتبطة بحجم القوى الصديقة والقوى المعادية، ومسرح العمليات، والزمان والمكان، ومحددات العمل ومقومات نجاحه، كما برع في تنظيم التعاون العملياتي للقوى المشتركة في المعركة. وقد أخذ صلاح الدين يشن حملات متتالية، إلى حمص وحلب في العام 1174م، وإلى الموصل في العام 1176م، ثم إلى تل الجزر عام 1177م، حيث واجه الهزيمة ونجا بنفسه بعد حصار الصليبيين له. وفي ربيع العام 1179م أرسل صلاح الدين ابن أخيه “فروخشاه” في إغارة على بانياس كادت تقضي على “بلدوين الرابع” ملك بيت المقدس، لولا أن افتداه “همفري” سيد تبنين بحياته. وقد أسفرت المراحل المتقدمة من هذه المعركة، والتي جرت في حزيران يونيو1179م، عن هزيمة منكرة للصليبيين، أدت إلى أسْر عدد كبير من قادتهم من بينهم “أودسانت أمان” مقدم فرسان الداوية، و”بلدوين” سيد يبنه، و”هيو” سيد الجليل. وقد تتابعت المعارك بين العرب والصليبيين على هذا المنوال، وبقي خط التماس مفتوحاً بين الفريقين، يستفيد منه الطرف الأقوى، والذي يتمتع بالقدرة على حشد أضخم، وحركية أكبر. وكانت الغلبة، على وجه العموم، للمسلمين الذين استفادوا من توحيد قواهم تحت قيادة صلاح الدين الأيوبي، وأحسنوا تنسيق التعاون العملياتي بين القوى المختلفة، القادمة من مصر أو من الشام أو الموصل وغيرها. ولقد كانت معركة حطين 1187م، نموذجاً حياً لمقدرة صلاح الدين القيادية.