يقول الله تعالى ” وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ” سبأ: 21. ومعنى الآية الكريمة: أنه لا سُلطان له عليهم، ولكن ابتليناهم بوسوسته. وإذا تأمَّلنا نصوصَ السُّنة النبوية، سيتَّضح لنا: أنَّ حياة الإنسان لا تخلو في مراحلها المختلفة من ابتلاءٍ من الشيطان وذريَّتِه: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ اللهَ لَوْ شَاءَ أَنْ لا يُعْصَى مَا خَلَقَ إِبْلِيسَ” حسنه الألباني. وقد جعل اللهُ تعالى الشيطانَ قريناً لكلِّ آدمي؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: وَإِيَّايَ، إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلاَّ بِخَيْرٍ” رواه مسلم. قال النووي: وفي هذا الحديث إشارةٌ إلى التحذير من فتنة القرينِ، ووسوسته، وإغوائه، فأعْلَمَنا بأنه مَعَنا؛ لِنحترزَ منه بحسب الإمكان.
فلنحذر فِتنةَ القرين، ولنحذر وسوستَه وإغوائه وإغرائه؛ لأنه معنا لا يفارقنا؛ ابتلاءًا وامتحاناً من الله تعالى، فلا بد من مجاهدته، والحذر الشديد من كيده، قال الله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ” النساء: 71؛ ومن قدر الابتلاء بالشيطان: أنَّه يتربَّص ويُؤذي ابنَ آدم مُنذُ وِلادته: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال “مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ وَالشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ، إِلاَّ مَرْيَمَ وَابْنَهَا ” ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ” وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ” رواه البخاري. بل يجري منه مجرى الدم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ” رواه البخاري. وكثيراً ما يُوسوس له بُغيةَ إيصاله إلى الكفر والشك؛ يقول النبي: ” يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلْيَنْتَهِ” رواه البخاري.