لقد فَشِل الطواغيت في تخويف الرسول صلى الله عليه وسلم، والذين آمنوا معه، أو إغرائهم، فصبوا جام حقدهم على إيذائه صلى الله عليه وسلم إيذاءً بدنيًّا، ومن صور الإيذاء محاولة خنق الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فبينما كان صلى الله عليه وسلم يصلي، إذ أقبل عقبة بن أبي مُعَيط، فوضع ثوبه على عنقه فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه حتى أخذ منكبه، ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: “أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟!”. ولم يتوقف الإيذاء عند هذا الحد، فلما يئس رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة خرج باحثًا عن ملاذ جديد للدعوة الإسلامية، فوقع اختياره على الطائف، فقرَّر النبِيُّ صلى الله عليه وسلم أن يَخرج بالدَّعوة من مكة إلى الطائف؛ لعلَّه يجد بينهم من يؤمن بهذه الرِّسالة الخالدة، ويطلب النُّصْرة والعونَ من أهلها، ويَرجو أن يقبلوا منه ما جاءهم به من عندِ الله تعالى، فلم يجد من يؤويه أو ينصره، فآذوه مع ذلك أشد الأذى، ونالوا منه ما لم ينله قومه، وكان معه زيد بن حارثة مولاه، فأقام بينهم عشرة أيام لا يَدَعُ أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلَّمَه، فقالوا:اخرج من بلدنا، وأَغْرَوا به سفهاءهم، فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى دَمِيَت قدماه، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصيب في رأسه، فانصرف راجعًا إلى مكة محزونًا، وفي مرجعه ذاك دعا بالدعاء المشهور، دعاء الطائف: “اللَّهمَّ إليك أشكو ضَعْف قوَّتي، وقلَّة حيلتي، وهواني على النَّاس، يا أرحم الرَّاحمين، أنتَ ربُّ المستضعَفِين وأنت ربِّي، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيدٍ يتجهَّمني؟ أم إلى عدوٍّ ملَّكْتَه أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي، ولكنَّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الَّذي أشرقَتْ له الظُّلمات، وصلحَ عليه أمر الدُّنيا والآخرة مِن أن تُنْزِل بي غضبك، أو يحلَّ عليَّ سخطك، لك العُتْبَى حتَّى ترضى، ولا حول ولا قوَّة إلا بك”.