ولد الإمام الزهري في مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونشأ والعلماء فيها متوافرون ممن بقي من الصحابة، ومن التابعين الكبار، فكانت تلك البيئة محفزًا مهمًّا لترغيبه في طلب العلم، فراح ينهل من منابعه، ويستقي من موارده، وساعده على حمل العلم ما وهبه الله تعالى من قوة حافظة وذهن مُتقد؛ فقد ذكر عنه أنه حفظ القرآن في نحو من ثمانية وثمانين يومًا .وكان من توفيق الله له أن الْتَقى ببعض الصحابة وسمع منهم على قلة، ومنهم: ابن عمر، وجابر بن عبد الله، والمسور بن مخرمة، وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم، وكان الإمام الزهري رحمه الله آية من آيات الله في الحفظ، وموهبة نادرة في استظهار المعلومات، ولقد كان نعمة من نِعم الله على هذه الأمة في حفظ حديث رسولها صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه قد عرف بالحفظ والإتقان وحُسن سَوق النصوص؛ فلذلك كثُر طلابه والآخذون عنه، ومن قرأ ترجمته في كتب الرجال رأى العدد الكبير من الرواة الذين أخذوا عنه حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكن الزهري حافظًا للحديث ومسائل العلم حفظًا مجردًا، وإنما كان يجمع بين الحفظ والفهم وجودة الاستنباط. ومن باب التحدث بنعمة الله كان يحكي عن نفسه ما وهبه الله من قوة الحفظ، فيقول: “ما استودعت قلبي شيئًا قط فنسيته”. توفي الإمام الزهري ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة 124هـ، وكان له أرض في شَغْب وهي آخر حد الحجاز وأول حد فلسطين ذهب إليها، فمرض بها أيامًا فمات فيها.