لقد جاء الإسلام بشريعة ربانية كاملة تنظم للإنسان حياته بما يصلح دنياه وأخرته ” إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ” الإسراء: 9، فالإنسان لم يخلق سدى ولم يترك عبثاً قال تعالى ” أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ” المؤمنون: 115، والإنسان يحتاج إلى أنظمة وقوانين تحدد علاقته وواجباته تجاه الآخرين، وعيه القيام بتنفيذها واحترامها والسير عليها، ذلك إن التنظيم والترتيب وسن القوانين هو سنة الحياة وعندما يختل وتختفي النظم والقوانين من حياة الناس تحدث الفوضى وقد تؤل لاستخدم القوة والعنف، وتسعى وراءها المصلحة الخاصة على حساب القيم والأخلاق عندها تفسد الحياة وتصبح جحيماً لا يطاق، وتحل شريعة الغاب إذ القوي يأكل الضعيف. لهذا فقد ضرب لنا القران الكريم في أكثر من موضع المثل الأعلى بالنظام الإلهي في خلق الكون والإنسان، فقال تعالى ” إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ” القمر: 49. وقال ” صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ” النمل: 88، وقال سبحانه ” لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ” يس: 40، وهكذا يسير الكون طبقاً لنظام دقيق لا توجد فيه فوضى أو عبثية أو تضارب أو اختلاف.
وفي المقابل يلفت القرآن الكريم انتباهنا إلى تصور اختلال النظام وضرره على الناس “قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ” القصص: 71، والإنسان كذلك مدعو أن يتفكر في نفسه و في خلقه، في ذلك النظام الدقيق بين عمل أجهزة جسمه، إذا ما تعرض أي عضو في جسم الإنسان لأي مرض تأثر سائر الجسد بالسهر والحمى، وهكذا حياتنا إذا حدثت الفوضى في علاقاتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولم نحكم الشرع والقوانين العادلة ونلتزم بالنظام العام، واللوائح النافذة في أي جانب من جوانب حياتنا، التي ترضي الجميع وتحقق العدالة الاجتماعية فإن حياة الأفراد والمجتمعات تتعرض للأخطار وتهددها المشاكل وستكون الفوضى حجر عثرة في التقدم والتطور والبناء. إن النظام والتنظيم والالتزام به، واحترام القوانين التي تنظم الحياة ومن أدلة التطور والنمو العقلي والاجتماعي، لأن تنظيم حياة الفرد والمجتمع بما يواكب القواعد العامة للشريعة من أسباب الألفة وتطور المجتمعات ورقيها ونهضتها وسعادتها. ومن ينظر إلى توجيهات الإسلام وتشريعاته وأحكامه، يجد أنه دين منظم في جميع شئونه، ويأمر بالنظام ويهتم به في كل جوانب الحياة، في باب الحياة الشخصية أو الأسرية أو الاجتماعية. إنه دين النظام لا دين الفوضى، بل حتى في أشد حالات الخوف وهو وقت الحرب لم يقبل الإسلام حياة الفوضى بل أمر بتنظيم الصفوف والتخطيط والترتيب، قال تعالى ” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ” الصف: 4. وفي باب الحياة الاجتماعية والأسرية نظم الإسلام السلوك والمعاملات وسن القوانين والأنظمة في البيع والشراء والزواج والطلاق والعلاقة بين الزوجين، وعلاقة المسلم بأخيه المسلم وعلاقته بغير المسلمين، وحث الإسلام على التزام الآداب واحترام القوانين والمحافظة على الذوق العام قال سبحانه ” تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ” البقرة: 229، والغرب لم يتقدم هذا التقدم المذهل في جوانب الحياة المدنية إلا بكلمة واحدة وهي التنظيم. إن التنظيم والترتيب وشريعة الحق والنظام جاء بها الإسلام واضحة بينة في نصوص كثيرة في القرآن والسنة وفي السيرة النبوية وسيرة الخلفاء، فهي فطرة الإنسان وحاجته.
من موقع شبكة الألوكة الإسلامي