أوصانا الله تعالى بالتأدُّب مع الجيران، فقال سبحانه في آية الحقوق العشرة ” وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ” النساء: 36. قال الإمامُ القرطبي رحمه الله : أمَر الله تعالى بحفظ الجار والقيام بحقه والوصاة برَعْيِ ذمته في كتابه وعلى لسان نبيه، ألا تراه سبحانه أكد ذِكره بعد الوالدينِ والأقربين، فقال تعالى ” وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ” النساء: 36؛ أي: القريب؛ ” وَالْجَارِ الْجُنُبِ ” النساء: 36.
وأوصت السنة بالإحسان إلى الجار، حتى لو كان غير مسلم، ما دام فردًا يعيش في المجتمع الإسلامي، فالإسلام يريد للمجتمع أن يشمله التكافل ويعمه التراحم، عن مجاهد قال: كنت عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وغلام يسلخ له شاة، فقال: يا غلام، إذا سلختَ فابدأ بجارنا اليهودي، حتى قال ذلك مرارًا، فقال له: كم تقول هذا ؟ فقال: “إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يوصينا بالجار حتّى خَشِينا أَنَّهُ سيُوَرِّثُه” رواه أبو داود والترمذي. وأقرب الجيران بابًا أحقهم بالإحسان، عن عائشة رضي الله عنها قالت: “قلت: يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: ” إلى أقربهما منك بابًا”؛ رواه البخاري.
وكان محمد بن الجهم جارًا لسعيد بن العاص، عاش سنوات ينعم بجواره، فلمَّا عرض محمد بن الجهم داره للبيع بخمسين ألف درهم، وحضر الشهود ليشهدوا، قال: بكم تشترون مني جوار سعيد بن العاص؟ قالوا: إن الجوار لا يباع، وما جئنا إلا لنشتري الدار. فقال: وكيف لا يباع جوار من إذا سألته أعطاك، وإن سكتَّ عنه بادرك بالسؤال، وإن أسأت إليه أحسن إليك، وإن هِجْتَهُ عطف عليك ؟ فبلغ ذلك الكلامُ جارَهُ سعيدَ بنَ العاص فبعث إليه بمائة ألف درهم، وقال له: أمسك عليك دارك. هذه هي الأخلاق الإسلامية التي ربى عليها الإسلام أبناءه، فكانوا كالبنيان المرصوص يشد بعضُه بعضًا، وما أجمل أن يأخذ المسلمون أنفسهم بهذه المبدأ الكريم.