لا يختلف اثنان إلا الخونة الذين باعوا ضمائرهم إرضاءً لأسيادهم وراء البحر، أن شخصية الأمير عبد القادر وكفاحه المستميت في مواجهة المستدمر الغاشم تعد نموذجا للبطل الذي تحتاج له أمتنا، وهي تبحث عن قيادات جديدة يمكن أن تعيد لها حقها المشروع، ولتضيء للبشرية الطريق لبناء عالم أكثر عدلا.
الأمير عبد القادر الجزائري البطل الذي قاد المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي، شخصية تستحق أن تفخر أمتنا بها، فقد قاد شعبه لمواجهة العدوان الفرنسي، وللدفاع عن الجزائر طوال 17 عاما حقق فيها الكثير من الانتصارات على جيش بدا متفوقا عدّة وعددا.
وبالرغم من استخدام الجيش الفرنسي الرصاص والنيران لإحراق القرى الجزائرية؛ إلا أن فرنسا عجزت عن احتلال الجزائر في بداية الأمر، واعترفت بهزائمها أمام الجزائريين الذين استخدموا الخيول والسيوف، فناشدت فرنسا كل الدول الأوروبية لإمدادها بالجنود والأسلحة المتقدمة، فاستخدمت فرنسا الدين المسيحي في إثارة مشاعر الأوروبيين لمساعدتها في مواجهة المسلمين، وارتكبت الجيوش الأوروبية الكثير من المذابح التي تشكل عارا لأوروبا وجريمة ضد الإنسانية.
لكن الأمير عبد القادر صمد في المواجهة، وظهرت قوة الإيمان كعامل مهم في بناء القوة وتحقيق الانتصارات، فاستشهد الآلاف من رجال القبائل العربية الجزائرية، الذين دافعوا بشجاعة وإقدام عن حرية وطن، وكرامة أمة لا تقبل الضيم.
ووقفت أوروبا كلها خلف فرنسا، وأمدتها بالسلاح والجنود؛ في الوقت الذي خذل فيه حكام العرب الأميرَ عبد القادر، فلم يستجيبوا لرسائله، ولم يقدموا له عونا، ونجحت فرنسا في إغراء بعض ضعاف النفوس بالمال؛ فخانوا وأرشدوا الفرنسيين عن الأماكن التي يوجد فيها الأمير.
ويقول الإعلامي المصري سليمان صالح: “أذكر أنني قرأت ديوان الأمير عبد القادر الجزائري عندما كنت طالبا بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وكانت نسخة قديمة مطبوعة عام 1960 وتكاد حروفها أن تختفي، وكنت أبذل جهدا في إعادة صياغة بعض الكلمات لكنني أعدت قراءتها، وأنا أعمل لتطوير علم القيادة وكنت قد توصلت إلى نتيجة مهمة هي أن وعي القائد بذاته وتجربته التاريخية وأصالته وهويته تساهم في صياغة أهدافه ورؤيته، وفي زيادة قوته وقدرته على تحقيق الانتصارات والإنجازات الحضارية”.
ويضيف: “أصالة النسب تقوم بدور مهم في تطلع القائد للمجد ولتحقيق الانتصارات، كما تساهم في ضبط سلوكه، وتمسكه بالأخلاق الكريمة، وتعامله مع الخصوم. وربما يكون ذلك من أهم مفاتيح شخصية الأمير عبد القادر الجزائري التي يمكن أن تساهم في زيادة فهمنا لسيرته وكفاحه وتجربته التاريخية، كما تساهم في زيادة قدرتنا على استخدام سيرته نقطة انطلاق لإعداد قادة المستقبل.
الأمير عبد القادر ينتمي لقبيلة عربية من أشرف القبائل يرجع أصلها إلى الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، وهو في كل أشعاره يفتخر بهذا النسب الشريف، ويرى أنه مصدر قوته، وكل ما يتمتع به من مزايا وسمات وأخلاق.
وبالرغم من أن الفرنسيين تمكنوا من قتل جواده، إلا أنه استمر يحصد رؤوس جنرالاتهم وجنودهم بسيفه، ويشهد ذلك على الإيمان الذي ملأ قلبه بقوة جعلته لا يبالي أن يقاتل راجلا.
وفي هذا الصدد يقول شارل هنري تشرشل “لقد آمن عبد القادر إيمانا عميقا بضرورة الاتحاد المطلق بين مواطنيه، لكي يحقق لهم استقلالهم المشترك، لقد قرر أن يقارع بسيفه الذين يشكون أو يحاولون أن يقاوموا سلطته”.
ب-ص