كان على الأمير عبد القادر استثمار كافة الموارد لما يطلق عليه اسم “إقتصاد الحرب”. فقد كان عليه، كما قال هو ذاته: “توفير المصاريف لإدارتي. كان علي أن أصنع كل شيء من العدم، رغم أنني قيدت نفسي بالإنفاق على ما هو ضروري فقط. فكان لابد من فرض الضرائب الثقيلة” ومن أجل ذلك، أمر خلفائه في الأقاليم بمراقبة الموارد مراقبة شخصية، فكانوا يقومون بجولة مرتين في السنة، مرة في الربيع لجمع الزكاة، وأخرى أثناء الحصاد لجمع العشور. وكان عليهم خلال جولاتهم مراقبة إدارة الآغوات وتنظيمها، ورفع التقارير إلى الأمير عن أي شكوى ضدهم، كما كان عليهم الإشراف على الأعمال الأخرى التي تجري في أملاك الدولة. وكان يتبع – الخلفاء – في جولاتهم، عادة، فرقة نظامية وقوة من الفرسان غير النظاميين – الإحتياطيين – المعروفين باسم “الصبائحية”. ذلك أنه كان من الصعب حمل الأعراب على دفع الضرائب طوعا، لا سيما عندما كان يتعرض الأمير للهزيمة في مجابهته لقوات الفرنسيين، وكان الأمير عبد القادر يحاول وهو يطالب القبائل بدفع ما هو ضروري لدعم الدولة، أن يتوافق ذلك في الوقت ذاته مع مصالحهم الخاصة، بحيث يتم الجمع بين المصلحة العامة للدولة والمصالح الخاصة للمواطنين. ومن أجل ذلك طلب إلى خلفائه أن يقبلوا، بدل الضرائب والغرامات، المواد الاستهلاكية والبغال والإبل، وبالأخص الخيول. وكان يستفيد من ذلك كله، فيقدم الخيول لفرسانه، ويستخدم البغال والإبل في عمليات النقل والإمداد. أما المواد الاستهلاكية فكانت تقدم لتموين الجنود مع حفظ الفائض منها في مستودعات – مخازن – للطوارئ. ولقد تزايدت مصادر دخل الأمير عن طريق الغزوات التي كان يقوم بها كلما لجأت القبائل إلى السلاح لحل خلافاتها فيما بينها. فجعل من دولته المرجع الوحيد للاحتكام من أجل حل مثل هذه الخلافات، وأمكن له توسيع هذه القاعدة وتعميمها بحيث باتت لا تطلق رصاصة واحدة إلا بإذن الأمير وموافقته.
من كتاب – جهاد شعب الجزائر-