تلقى عبد القادر البيعة تحت شجرة الدردار “الدردرة” الضخمة، وهي الشجرة التي طالما اعتاد الأعيان على الالتقاء تحت ظلها، للشورى، كلما دهمهم خطب، أو بغتتهم نائبة، فيجمعهم “وادي مروحة – من قبيل غرس” ليخرجوا وقد استمدوا من ضعفهم قوة، وتجمعوا من بعد تفرق. غير أن تجمعهم في هذه المرة تمخض عن أمر جلل، لقد أسندوا قيادتهم إلى عبد القادر وحددوا له مهمته: “إننا في حاجة لمن يقود سفينتنا ويقف في وجه العدو في الداخل والخارج ليذيقه العذاب، ولهذا فقد اتفق العام والخاص على إسناد الإمارة لعبد القادر بن محيي الدين”. أراد المرابطون والمجاهدون أن يكون عبد القادر بن محيي الدين أميرا عليهم، وبايعوه على ذلك، وتبعهم رجال القبائل على هذه البيعة، وما كاد يفرغ الأمير من تنظيم أجهزة الدولة، حتى أرسل إلى عمال الحكومة السابقة “في العهد التركي” والذين لا زالوا في مناطق لم يغتصبها الاستعمار الفرنسي، طالبا إليهم الامتثال إلى الطاعة والجماعة حاثا إياهم على إعلان الولاء للحكومة الجديدة، والرجوع إليها في كل أمورهم. فاستجابت له الأغلبية الساحقة، وأعربت عن غبطتها بالخضوع لطاعته. أما الذين أبوا الدخول في طاعة الأمير الجديد، مغتنمين الذعر والفوضى التي انتشرت في البلاد على إثر احتلال العدو لبعض مناطقها فقد اختاروا الاستقلال بإداراتهم تدفعهم إلى ذلك شهوة التحكم والطمع، غير مبالين بما يحدق بالبلاد من خطر مدمر، وما يترتب على عصيانهم من تشتيت لوحدة الشعب، وتبديد لقوته، في الوقت الذي كان فيه العدو يجند كافة موارده ويحشد جميع قواته لاجتياح الوطن الجزائري. هؤلاء المارقون، سرعان ما أفحمهم الأمير بالمنطق أو أخضعهم بالقوة، مستدركا الخطر الذي ينتج عن عنادهم. وعين في مناصبهم رجالا توافرت لهم الكفاءة والقدرة والعدل والإخلاص .. وبذلك استقرت الأمور الجديدة، وبدأت تعمل جاهدة على إرساء قواعد الحكم النزيه على أسس متينة قوامها الدين الإسلامي وقواعده وأسسه الفاضلة. وكان أول عمل قامت به الحكومة هو الإعلان عن إلغاء المظالم. وإبطال القوانين التي كانت تفرض على المواطنين الجزائريين بين ضرائب ثقيلة ومغارم مرهقة. فحقق المساواة بين كل المواطنين أمام القانون. وضبط نظاما للحكم، وأنقص ما يمكن من الوسطاء، بهدف الوصول إلى أكبر، وتأمين السرعة في التنفيذ.
من كتاب – جهاد شعب الجزائر-