اقتنع الأمير عبد القادر بنتيجة نجاح الفرنسيين في احتلال معسكر وتلمسان دونما عناء كبير، بأنه من الضروري إقامة مراكز للاستيطان تكون بعيدة عن قبضة الفرنسيين, وكان لا بد له في الوقت ذاته من اختيار مواقع هذه المراكز الاستيطانية – أو المدن – بحيث يمكن لها الإشراف على مناطق استيطان العرب لإبقائها تحت هيمنته، وإشعار القبائل الصحراوية المضطربة بالسلطة، وحمايتها من هجمات الفرنسيين. وقد اختار خط التل في الجنوب لإقامة هذه المدن، فأقام مدينة إلى جنوب كل مدينة كبرى سيطر عليها الفرنسيين. وعلى الرغم مما كان يعانيه الأمير عبد القادر من ضعف الموارد، فقد انصرف بكليته لإقامة هذه التحصينات والمدن في المواقع الجيوستراتيجية الحصينة، فكان منها “سيبدو” في الغرب، و “سعيدة” في الجنوب من تلمسان و “تاقدامت” إلى الجنوب من معسكر، و “بوغار” إلى الجنوب من مليانة، و “بلخورط” الواقعة جنوب – شرق مدينة الجزائر مقابلة المدية، وأخيرا “بسكرة” إلى الجنوب من قسنطينة. وكان الأمير عبد القادر وهو يقيم هذه المدن مقتنعا بأنه عند استئناف الحرب سيكون مضطرا لإخلاء كل المدن الواقعة على الخط الأوسط للأطلس، وبذلك سيكون من المحال على الفرنسيين الوصول إلى الصحراء قبل مضي مدة طويلة على الأقل، أراد الأمير عبد القادر جعل “تاقدامت” قاعدة صلبة للدولة المحاربة، لا مجرد قلعة حربية فقط، فوضع في اعتباره ضرورة إقامة مراكز علمية فيها، وإنشاء مدرسة ثانوية، وإقامة مكتبة عامة شرع في إحضار الكتب إليها من كل أنحاء المشرق العربي – الإسلامي . وقد كلفت المكتبة كثيرا من الوقت والجهد على حد تعبير الأمير، وأقام في تاقدامت دارا لسك النقود الفضية كما أقيمت في تاقدامت مصانع النسيج التي أخذت في إنتاج الأقمشة ذات النوعية الممتازة. علاوة على مصانع الأسلحة والذخائر.
من كتاب – جهاد شعب الجزائر-