كانت الرقابة الشعبية – بلغة العهود الحديثة – مطبقة بصورة شاملة، حيث كان منها ديه يرفع صوته بين القبائل وفي الأسواق، داعيا الناس لممارسة هذا الحق بقوله: “من كانت له شكوى على الخليفة أو الآغا أو القائد أو الشيخ، فليرفعها إلى الديوان الأميري من غير واسطة، فإن الأمير ينصفه من ظالمه ومن ظلم فلم يرفع ظلامته إلى الأمير فلا يلومن إلا نفسه”. ويمتد الوطن الجزائري على مساحة جغرافية واسعة، على ما هو معروف، ولم تكن وسائط الاتصالات متوافرة بمثل ما أصبحت عليه اليوم، ولهذا عمل الأمير عبد القادر على إعادة تقسيم البلاد إلى مقاطعات وهذه إلى دوائر، ووضع في كل منها آغا، وهذه الدوائر تشمل على القبائل النازلة فيها، وتشمل القبيلة على “بطون وعشائر”. فجعل على كل قبيلة قائدا وعلى كل بطن وعشيرة شيخا. فكانت الأوامر الأميرية تصدر إلى العمال المعروفين “بالخلفاء” ومنهم إلى الأغوات، ومنهم إلى المشايخ. ويقوم المشايخ برفع القضايا التي تحدث والمشكلات التي تقع إلى القادة، وهم يرفعونها إلى الأغوات ومنهم ترفع إلى الخلفاء، ثم تعرض على الحضرة الأميرية، وفي وقت الحرب يصبح هؤلاء الرؤساء قادة عسكريون، فيجمع كل منهم جماعة من عشيرته ويقودها إلى الحرب. وكان الأمير عبد القادر يحرص عند تجميعه للقبائل على ما بينها من روابط، وعلى ما يربطها ببيئتها المقيمة فوقها من روابط جغرافية وتاريخية. فلم يكن يتردد في تحويل بعض القبائل خوفا عليها من الضعف تجاه ترغيب العدو وإرهابه، وكان وهو يمارس ذلك كله يدرك تماما أهمية التنظيم. وقد عبر عن ذلك بقوله: “كانت أوامري تصل إلى الخلفاء، ومنهم تنزل في تسلسل مضبوط إلى المشايخ، ثم ترفع تقارير المشايخ بنفس التسلسل، إلى أن تصل إلي. لقد كان هدفي هو طرد المسيحيين من أرض آبائنا. وكنت دوما أستعين بالعلماء وأهل الدين في تسيير الحكم. وقد أثبت طول المعركة بأنني كنت على صواب … كما أنني أبعدت بطريقة مطلقة ودون أي استثناء الممثلين السابقين، وكان بودي أن يقارن الناس بسرعة بين الذين يتملكهم العجب، وتغريهم زينة الحياة الدنيا. وبيني أنا الذي لم يكن لي إلا هدف واحد وهو انتصار المسلمين. وأدركت بأنني لن أوفق إلى منع القادة الذين عينتهم من أن يقرفوا اختلاسا أو أستطيع معاقبتهم – في حال ما إذا اقترفوا شيئا من ذلك – إلا إذا وفرت لهم مرتبا يكفيهم مؤونة العيش”.
من كتاب – جهاد شعب الجزائر-