في وقت يعيش فيه ملايين المغاربة تحت وطأة الغلاء، تتّجه حكومة المخزن بثبات نحو تكريس سياسات تُفاقم الوضع الاجتماعي، وتُعمّق الفقر، بدل أن تضع حلولًا واقعية لأزمة الأسعار المتفشية فالمواطن البسيط بات يواجه معركة يومية من أجل توفير ضروريات الحياة، وسط موجة غلاء غير مسبوقة شملت أهم المواد الغذائية، وعلى رأسها الخضر الأساسية مثل الطماطم والبطاطس والبصل.
ولم يعد من المستغرب أن يتضاعف سعر الكيلوغرام الواحد من الخضر في معظم المدن، في ظل تجاهل رسمي مطبق، وعجز حكومي ظاهر عن التدخل لضبط السوق أو التخفيف من معاناة الأسر محدودة الدخل. المفارقة الصادمة، أن هذا الغلاء يأتي في وقت تُواصل فيه الحكومة سياسة تصدير المنتجات الفلاحية نحو الخارج، تحت ذريعة جلب العملة الصعبة وتحقيق التوازن التجاري، بينما الداخل يغلي والقدرة الشرائية تنهار. ويطرح هذا الوضع تساؤلات مشروعة حول أولوية السياسات الحكومية: هل الهدف إنعاش خزينة الدولة أم حماية المواطن من الجوع؟ وهل من المنطقي تصدير الخضر إلى أوروبا بينما المواطن المغربي يجد صعوبة في توفير وجبة متوازنة لأسرته؟ وهل أصبحت الأسواق الخارجية أهم من حاجيات المغاربة الأساسية؟ الانتقادات تتصاعد من جميع الفئات، خصوصًا في ظل استفادة كبار الفلاحين من التصدير، في مقابل غياب أي حماية اجتماعية للفلاح الصغير أو المستهلك المحلي. إذ يشتكي المواطن من ارتفاع الأسعار، بينما تبرّر الحكومة الوضع بأزمة الجفاف والمضاربات، دون أن تقدم أي حل حقيقي، فالوضع أشبه بحلقة مفرغة: إنتاج يُقلّ، أسعار ترتفع، الدولة تواصل التصدير، والفقير يزداد فقرًا. الحكومة المغربية التي جاءت بشعارات التنمية والاستثمار، أصبحت اليوم موضع انتقاد واسع بسبب غياب رؤية اقتصادية واضحة، واعتمادها المفرط على الاقتراض الخارجي، دون أن تظهر على الأرض نتائج ملموسة تُحسن ظروف المعيشة أو تخفف من الأزمة الاجتماعية. هي حكومة “دفتر الشيكات المفتوح”، حيث تُغرق البلاد في الديون تحت عنوان “الاستثمار”، بينما لا يشعر المواطن بأي تغيير على مستوى الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والشغل. الواقع أن تضارب المصالح لم يعد مجرّد اتهام سياسي، بل أصبح ملموسًا، حين تُترك الأسواق دون رقابة، وتُقدَّم مصالح التصدير على حساب الأمن الغذائي الداخلي. هذا الوضع يهدد الاستقرار الاجتماعي، ويقوّض ثقة المواطنين في المؤسسات. أمام هذا المشهد، يطالب الشارع المغربي بإجراءات ملموسة: ضبط الأسعار، وقف تصدير المنتجات الأساسية مؤقتًا، دعم الأسر الفقيرة، وتقديم تفسير واضح عن كيفية تدبير المال العام والديون المتراكمة. فالحلول الترقيعية لم تعد تقنع أحدًا، والمعاناة اليومية لا يمكن تغطيتها بالشعارات. باختصار، الأزمة لم تعد اقتصادية فقط، بل تحوّلت إلى أزمة ثقة. وإذا استمرت الحكومة في تجاهل رسائل الشارع، فإن ثمن هذا التجاهل سيكون باهظًا، سياسيًا واجتماعيًا.
أ.ر