أكدت الأستاذة نسرين مقداد، رئيسة الاتحاد العام لنساء فلسطين بالجزائر أن اللباس التقليدي الفلسطيني يعتبر من أهم الركائز الأساسية التي تشكل الهوية الفلسطينية وشاهدا حيا على مختلف التغيرات التي عرفتها فلسطين على مر التاريخ، مضيفة أن الثوب الفلسطيني بمثابة وثيقة تاريخية حية.
ولفتت السيدة مقداد في ندوة بعنوان “الزي التقليدي الفلسطيني مقاومة وصمود”، على هامش فعاليات المهرجان الثقافي الوطني للزي التقليدي، أن الطرز الفلسطيني هوية وبقاء تحفظه المرأة حيثما كانت، سواء في الداخل الفلسطيني أو في المخيمات أو في الشتات، وأن هذا اللباس يحارب الاحتلال الصهيوني كأنه فدائي، مثله مثل الكوفية، مؤكدة أن الزي بمثابة سجل تاريخي، وهو أيضا مؤشر اجتماعي وثقافي يدل على مهنة أو وظيفة صاحبه.
وأضافت بإسهاب “كان عمري عشرون عاما عندما عرفت هذا اللباس عن قرب، فلا أمي ولا جدتي ورثته، كون العائلة خرجت من بيتها (يافا) ككل الفلسطينيين في 1948 أثناء النكبة، ولم يحمل أحد معه أغراضه، ظنا أن العودة ستكون بعد 6 أيام، ومما تم تركه الزي التقليدي الفلسطيني الأصيل الموروث من زمن الكنعانيين”.
وتابعت قائلة: “الصهاينة حينها حرقوا البيوت، ونسبوا لهم هذا الزي، بعدما حرفوا معالمه وخصوصياته، كترسيخ اللون الأزرق فيه، وكذا النجمة السداسية في الغرز، لكن كل ذلك لم يثن عزيمة الفلسطينيات، إذ قمن بعد النكبة بتجميع القطع وخياطتها وأحيانا إعادة طرزها، علما أن بعض تلك المبادرات تطلبت 5 سنوات من الجهد والبحث.
وشددت السيدة مقداد أن الزي الفلسطيني يحاكي الحالة الاجتماعية للمرأة، ويبين هل هي أرملة أو متزوجة أو فتاة عزباء، وكلما كانت الحياة صعبة وقاسية، كلما ترسخت الألوان القاتمة، كما أن مدن الشمال الفلسطيني، حسبها، منها يافا وعكا، تميزت عبر الزمن بالرفاهية، وبذلك تطرز اللباس بالخيط المذهب الإيراني وبالقصب (فتلة ممزوجة بخيط الحرير)، مشيرة إلى أن اللباس الفلسطيني يعود إلى أربعة آلاف سنة، وهو ما يتجلى مثلا في لوحة بمعبد فرعوني في القاهرة، تظهر كنعانيين يحملون ثيابا حمراء مطرزة، هدية للملك فرعون.
أوضحت المتحدثة أيضا، أن المرأة في الشتات مرتبطة بهذا الإرث، علما أن وسائل طرزه بسيطة لا تتطلب سوى إبرة وخيط، وفيه 3 غرز، وهي الفلاحي (التصليب)، وهي من أشهر الغرز الدقيقة والمطلوبة، وكذا السلسلة الخاصة بطرز الأطراف وتستعمل فيما يسمى بالتطريف، وأيضا غرزة التحريري مشهورة بمنطقة بيت لحم ويافا والقدس، وهي مملوءة بالنسيج، كذلك الأكمام التي تعرف بـ”البنيقة”.
أكدت السيدة مقداد أيضا، أن التطريز بعد 48، ارتبط بالمقاومة وبالوضع السياسي، مع الاعتماد على ألوان العلم الفلسطيني، ونقش خريطة فلسطين كاملة، كما سجل هذا الثوب انتفاضة الحجارة بنقوش بسيطة، علما أن هذا الثوب كان يعبر بألوانه وتزهيره عن الأفراح، لكن بعد الأحداث أصبح يقتصر على الأسود والأحمر القاتم، ليعكس حالة المجتمع.
وأبرزت المحاضرة أيضا، التفاصيل التي تميز بين مناطق فلسطين مستعرضة لباس عروس يشبه اللباس الجزائري، منها “الغليلة بالفتلة” والطاقية (الطربوش) والمحرمة، وكذلك الحال مع غرزة الحساب الجزائرية، خاصة بمنطقة شرشال، كما قدمت اللباس البدوي بالتطريز المكثف، مع الملاية ذات الطرز المذهب والأحمر، فيه دليل على المتزوجة، والأزرق على الأرملة، وتبرز الأشكال المنمقة التي تشبه اللعب في لباس العزباء، أما لباس غزة بعد النكبة، فهو بدون تطريز واكتفى فقط بالألوان (أصفر وأحمر وأسود).
وأكدت المحاضرة أيضا، أن وزارة خارجية دولة فلسطين، قدمت ملف تصنيف اللباس الفلسطيني في “اليونيسكو”، كتراث وطني. وعن ثوب يافا قالت، إنه “المجنذل” بتطريز أمامي وبسلاسل وعواميد مطرزة مع نجمة كنعان وأوراق البرتقال والزيتون، كما يتضمن لباس القدس بعد النكبة، معالم دينية إسلامية منها آيات قرآنية ونجمة وهلال وكذا مسيحية بالصليب.
ب\ص