الأديبة الجزائرية سحر القوافي لـ “الموعد اليومي”:  الكتابة لحظة تعرية أمام الذات ومرآة عاكسة لخبايا الروح

الأديبة الجزائرية سحر القوافي لـ “الموعد اليومي”:  الكتابة لحظة تعرية أمام الذات ومرآة عاكسة لخبايا الروح

إنها الأديبة الجزائرية سحر القوافي، قلما نجد مثلها في عالم السرد الجميل الذي يسحر الألباب، عندما قرأت لها أول مرة، أحسست أن هذا القلم قديم جديد، جرأتها هي سبب غيابها لزمن طويل وبعد مرور العشرية المظلمة التي ألقت بظلالها على كل ما هو جميل في بلدي، ها هي بنت جيجل (الماء والخضرة والوجه الحسن) تعود من جديد بقلم أهنكته السنون.. عاد قلمها بقوة ليبوح بمكنوناته، كان لنا فضل اقتطاع جزء من وقتها ليكون لنا معها هذا الحوار الشيق.

 

قدمي نفسك للقراء الكرام.. وكيف كانت بدايتك مع الحرف ووجع الكتابة؟!

سحر القوافي أديبة جزائرية على عتبة الخمسين، ولدت من رحم المعاناة.. بهوية منتهية الصلاحية أو ظل هوية.. مجرد رقم واسم مهمل في هذا الوطن.. تجرعت فيه الغم والمحن. فاعتنقت حروف الأبجدية لتنحت لها من أوجاع الروح وجودا خارج أسوار العدم..

في مدينة جيجل عروس البحر.. وفي قرية الجناح جنة من جنان الرحمان ولدت وترعرعت في شاطىء صخر البلح بين زرقة البحر وخضرة الجبل وسحر الطبيعة في عائلة شريفة مجاهدة قدمت من الشهداء  والتضحيات الكثير.. عاشت طفولة سعيدة كطيور السلام والحرية والمحبة.. ترتع في حبور وسرور.. منطلقة في الحياة في حضن العائلة الدافىء..عانقت الحروف الأولى في سن الخامسة.. وشهدت مسيرتها الدراسية النجاح ونالت من العلم ما يؤهلها لتتقلد دورا رياديا في المجتمع وقد نذرت حياتها لخدمة الوطن والمجتمع وزرع قيم الخير والمحبة والسلام.. في تربية الأجيال قضت عمرها وفي العلم والتعلم.

كبرت سحر القوافي وبدأت ميولها تزداد نحو الإبداع والكتابة.. وكانت أول مرة تقابل فيها الجمهور بمناسبة يوم العلم، حيث كتبت قصيدة على بحر البسيط تمدح فيها الإمام عبد الحميد بن باديس رائد النهضة الجزائرية الحديثة وكان الحفل بهيجا وفي الجامعة تبلورت الموهبة وانتسبت لمعهد الآداب واللغة العربية بجامعة قسنطينة.. وهنا بدأت تنشر أعمالها في الجرائد الوطنية وتحضر الملتقيات.. اشتغلت في بداية مشوارها المهني في الصحافة المكتوبة ثم تحولت إلى التعليم والتدريس بعدما تلقت تهديدات بالقتل من الجماعات الإرهابية وتحذيرات من السلطات بسبب جرأتها.. عانت من التهميش بسبب مواقفها الجريئة الناقمة على الساسة وأذنابهم من الأتباع.. ولشدة المضايقة التي تعرضت لها اعتزلت النشر والملتقيات لما رأت وعاشت من مواقف مخزية.. سيأتي يوم وتكشف فيه الخبايا والفضائح التي شهدتها فهمشت ولكنها عادت من سنتين لتعانق القلم ثانية، من أهم أعمالها: مجموعة قصصية تحت عنوان “شطآن المرأة” وديواني “ظلال من ريح” و”تراتيل الروح” ورواية “أوراق مبعثرة” والعديد من القصائد والقصص والمقالات والخواطر لم تبوب بعد..

 

ماذا تمثل لك الكتابة في هذا الزمن الذي أصبحت فيه القراءة شيئا غريبا وانحصرت بين فئات قليلة؟!

الكتابة لحظة تعرية أمام الذات ومرآة عاكسة لكل خبايا الروح والبال ونظرة إلى الأوضاع وقراءة تأملية للواقع والقضايا وترسيخ للقيم السامية وانعتاق وتحرر من كل القيود السياسية والاجتماعية التي تكبلنا.. فهي حياة للروح والفكر والقيم والمشاعر واستمرارية للخلق والتجديد.. متنفس ومهرب من ضغوط الحياة، تأتي في المقام الثاني بعد القرآن الكريم والحديث الشريف..”إن من البيان لسحرا” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فالكتابة كالسحر تأسر الألباب وتساهم في إعادة توازن القيم وبناء الأخلاق.

 

ما رأيك بكل صراحة فيما يصدر عن المطابع؟!

المطابع اليوم تخضع لقيم الاستهلاك.. وليس كل ما يصدر عنها جيدا أو نافعا أو لامعا.. باستثناء بعض دور النشر الشهيرة المعروفة برقيها وتساميها وحسن انتقائها.. فالمقياس الذي تخضع له هو المقابل المادي، فنحن في زمن اختل فيه ميزان القيم واختلط الحابل بالنابل والرداءة والإسفاف بالخلق والإبداع.. واقتصر دور المطابع على تصويب الأخطاء وتنقيحها والتصميم والإخراج حتى لو كان المحتوى دهياء مظلمة.. فعديد المتطفلين على الشعر والنثر  وأدعياء الكلمة والحرف أصدروا كثرة من الدواوين والمؤلفات.. إنها مهزلة أدب الاستهلاك التي طبعت عصرنا وحجبت الأقلام الألمعية المبدعة من الإشراق والوضاءة..

 

بمن تأثرت في بدايتك ولمن تقرئين؟!

قرأت لعديد الأدباء لشدة تلهفي في الاستمتاع بالحرف الساحر والفكر المستنير والتصوير البديع.. كل حرف ساحر يحمل خاطرة راقية.. مفعما بالإحساس الصادق النبيل والقيم السامية والرسالة الإنسانية.. ولكل منهم بصمته التي تؤثر فيك رغما عنك ودون وعي منك، ولذا فمن الإجحاف في حقهم بأن أخص أحدهم بالفضل دون البقية.. ومن ألمع الأسماء التي قرأت لها الشاعر شفيق الكمالي وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي ونازك الملائكة ونجيب محفوظ وصلاح عبد الصبور وإحسان عبد القدوس ومحمد الفيثوري وعبد الرحمان جيلي والطيب الصالح وابن هدوقة والطاهر وطار وكاتب ياسين وعبد المالك مرتاض وغابريال غارسيا ماركيز وفيكتور هيجو ومكسيم غوركي ودوستيوفسكي.. والقائمة مطولة.

 

الساحة الأدبية تعج بعدد كبير من الروائيين والكتاب والشعراء.. فمن منهم يشدك أكثر؟

* فعلا الساحة الأدبية تعج بعدد هائل من الروائيين والكتاب والشعراء ولكن فئة منهم فقط يحق لها أن تتقلد شرف هذا الاسم.. فقد انتشر أدب الاستهلاك وطغى وأصبح هو المسيطر في ساحة الإبداع وفضائه.. وباتت سهولة الإصدار والنشر وسرعته تؤثر على قيمة المحتوى وجودته وغيبت عديد الأقلام الواعدة المبدعة وبرزت أقلام الرداءة والضعة والإسفاف.

 

ماذا أضاف الفضاء الأزرق لك؟! وما نصيحتك لمن يلجأون إليه من الكتاب والأدباء؟

الفضاء الأزرق.. منصات التواصل الاجتماعي.. منبر حر مفتوح للنشر.. لكل من هب ودب.. الصغير والكبير الأرعن والبصير والمتسامي والحقير.. بحر صاخب متلاطم الخواطر.. فيه المبدع الحق والمتطفل على الخلق وسارق الحروف وجامع من الإعجاب الألوف.. والنرجسي والواهم والمهلهل والفحل.. من يقرع ومن يسمع.. حتى صارت فوضى عارمة..لا ندري أين ستقود ديوان العرب ومراكب الأدب..

في مستهل مشواري الأدبي كنت أنشر في الصحف الوطنية على غرار النصر والفجر والشرق ثم انقطعت لفترة تناهز العشرين سنة تحت تهديد الإرهاب وتحذير السلطات وتنويهها لي لجرأة قلمي ولما رأيته من تعفن في الساحة الأدبية ومن محاباة ومعرفة شخصية تعتمد في التكريم وحتى في النشر.. غير أني عدت من سنتين ومن بوابة الفضاء الأزرق الذي فسح لي المجال للنشر ولقيت فيه كل التشجيع والدعم من الأدباء من مختلف الأقطار العربية.. وكان لي شرف تأسيس مجلة تراتيل سماوية.. ثم مجلة مرايا الروح للثقافة والأدب على الفايسبوك.. ومن خلال هذا الفضاء فتحت لي أبواب النشر في مختلف البلدان العربية عبر المجلات والصحف الورقية والإلكترونية والمواقع.. ووجدت كتاباتي الحظوة والقبول..

 

ما هي تمنياتك وما مشاريعك؟!

* أمنية كل أديب أن يبلغ رسالته وينشر أفكاره ويجلي رؤاه وينفع أمته والإنسانية جمعاء..فينشر المحبة والسلام والفضيلة..وقيم الخير والجمال ..أمنيتي أن أساهم في إماطة البؤس والحرمان والأوجاع والأشجان من قلب الإنسان..أمنيتي أن يعيش العالم بقلب طفلة بريئة حالمة بكل جميل ..أما مشاريعي المؤجلة فهي أن أتبوأ مكانتي وأستعيد هويتي وأصدر إنتاجي الأدبي ..

 

 

بماذا تنصحين كل الكتاب المبتدئين؟!

*أقول لهم: لا أحد قد بلغ القمة ومسيرة الألف ميل تبدأ بالخطوة الواحدة ومن سار على الدرب القويم وصل ..فلا تنساقوا خلف أدب الاستهلاك والإثارة الآني..

 

كلمة أخيرة لقارىء الموعد اليومي؟!

*إليك أكتب حرفي.. ويلتهب إحساسي.. وينطلق عزفي.. أنت الملك الذي كل الأقلام تسعى إليه وكل الأحلام والرسائل تبدأ منه وتنتهي إليه..أنت المبجل المكلل الذي يمنحني شهادة تواجدي ويقلدني عقد الاستمرار والبقاء..

 

حاورها: حركاتي لعمامرة