الأدب قبل العلم

الأدب قبل العلم

 

إن للعلم منزلةً رفيعة، ومكانةً سامية، وهو قيمة عالية قبل أن يكون وسيلة للكسب، وهذا أمر معروف لكل أحد، ولكن الحقيقة التي تكاد تكون غائبةً في هذا العصر هي أن هناك أمراً أهم وأولى من العلم وهو الأدب، فإنه لا خير في علم لم يجمِّله أدب، ولا قيمة لمعرفة لا يحليِّها حسن خلق، فالأدب قبل العلم، والتربية قبل التعليم. وإنك لترى الطالب نبيهاً حافظاً لكن يسيء الأدب فيسقط من عينك، وبالمقابل ترى طالباً متوسط الذكاء محدود العلم لكنه ذو أدب رفيع فيعظم في نفسك. ولقد قرر هذه الحقيقة سلفنا الصالح، وأكدوا عليها أيما تأكيد. فدونك طرفاً مما أثر عنهم في ذلك: يقول الإمام مالك رحمه الله ” كانت أمي تعمِّمني وتقول لي: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه “، ويقول عبد الله بن المبارك: رحمه الله “كانوا يطلبون الأدب ثم العلم” ويقول أيضا: “كاد الأدب يكون ثلثي العلم” ويقول سفيان الثوري رحمه الله “ليس عمل بعد الفرائض أفضل من طلب العلم، وكان الرجل لا يطلب العلم حتى يتأدب ويتعبد قبل ذلك عشرين سنة”. وقال ابن المبارك: “تعلمت الأدب ثلاثين سنة، وتعلمت العلم عشرين سنة “وقال ابن سِيرين: “كانوا يتعلمون الهديَ كما يتعلمون العلم”. وقال بعض السلف لابنه: “يا بني لأن تتعلم بابا من الأدب أحب إليَّ من أن تتعلم سبعين بابا من أبواب العلم”. والأدب: هو فعل المحامد، وترك القبائح، ومرادنا به هنا الأدب العام مع الله تعالى، ومع الوالدين والأقارب، والأساتذة والزملاء، و الناس عموما، في البيت والمدرسة والشارع، وفي كل مكان. ولذلك وجب على طلاب العلم الحرص الشديد على اكتساب الآداب الحميدة ومجاهدة النفس على التخلُّق بها في جميع الأحوال. كما يجب على الأساتذة والمربين الاهتمام بهذا الموضوع وإعطائه ما يستحق من العناية. وقد جاءت السنة بأدعية عظيمة، أرشد إليها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وهي من الوسائل المباركة، والأسباب النافعة لاكتساب الآداب، ومنها ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في دعائه حيث قال: “اللهم آت نفسي تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها”.

الدكتور مسلم اليوسف