الأخوة الإيمانية

 الأخوة الإيمانية

الأخوَّة في الله ليستْ مجردَ كلمة تلفظها الأفواه، ولا لحنًا يتغنَّى به الشعراء؛ بل هي معنًى عظيمٌ، ودين يُرجى من الله ثوابُه، فأهلُ المحبَّة في الله على منابر النور في المحشر، يَغبطهم لأجلها خيرُ الخلق على الإطلاق؛ فقد روى الترمذيُّ وغيره من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “قال الله عز وجل “المتحابُّون في جلالي لهم منابرُ من نور، يغبطهم النبيُّون والشهداء”. وجعل الله الأخوةَ فيه أوثقَ عُرى الإيمان؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما روى الطبراني من حديث ابن عباس: “أوثقُ عرى الإيمان: الموالاةُ في الله، والمعاداةُ في الله، والحبُّ في الله، والبغضُ في الله”، فإذا رأيتَ الرجلَ يُحِبُّ في الله، ويُبغِض فيه، فاعلم أن هذه علامة إيمان فيه، وفضلٌ عظيم من الله وُفِّق إليه، فالمحبُّ في الله وصل منزلةً من الإيمان جعلتْه يقود رغبتَه وميلَ قلبِه، ويثني طِباعَه وما جُبلتْ عليه نفسُه، لتصبح منقادةً لما يحبه الله ويرضاه. إنَّ العلاقة بين الحبِّ والتآخي علاقةٌ وثيقة لحمتها العقيدة، فكلُّ مَن عقد الله بينك وبينه عقدَ الأُخُوة يستَحِقُّ منك مبادلته بلَوَازِم الحبِّ في الله، وكل مَن يعاملك بالمحبة الإيمانية، يستوجب عليك حقوق الأُخُوة الإسلاميَّة، وإن الميزان الضابط لمفهوم الأُخُوة، والذي لا يتمُّ الإيمان إلا به، ما بَيَّنَه صلى الله عليه وسلم بقوله: “والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبدٌ حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسِه من الخير”.

ويُعَلِّق الكرماني رحمه الله على الحديث بقوله: ومن الإيمان أيضًا أن يبغضَ لأخيه ما يبغض لنفسه من الشرِّ، ولَمْ يذكره؛ لأن حبَّ الشيء مستلزم لبُغْض نَقِيضه، فتَرَك التنصيص عليه اكتفاء. ولقد حثَّ المصطفى صلى الله عليه وسلم الأخ إذا أحبَّ أخاه، أنْ يُعْلِمَهُ بتلك المكانة والمنْزلة؛ قال عليه الصلاة والسلام “إذا أحبَّ أحدُكم صاحبَه، فلْيأته في منْزله، فليُخبره أنه يُحبه لله” وفي رواية: “فإنَّه أبقى في الأُلْفة، وأثبت في الموَدَّة”. وإنَّ مِمَّا يُعبر عن صدْق الأُخُوَّة وحقيقة الأُلْفة: ما يُقَدِّمه الأخُ لأخيه من دعوات صالحة؛ حيث لا يسمعه ولا يراه، وحيث لا شُبهة للرِّياء أو المداهَنة؛ يقول صلى الله عليه وسلم “دعوة المرء المسلم لأخيه بظَهْر الغيب مُستَجابة، عند رأسه ملك موكَّل، كلَّما دعا لأخيه بخَيْر، قال الملَك الموكَّل به: آمين، ولك بِمِثْل” رواه مسلم. إن ثمرة الأُخُوَّة لا تقتصر على الدنيا فقط، بل يَمْتَدُّ أثَرُها ونَفْعها إلى الدار الآخرة، وهي الدار التي أحْوج ما يكون فيها المرءُ إلى إخوانه وإحسانهم، وهل هناك أعز وأغلى من أخٍ لك لَم تلدْهُ أمك يكون سببًا في الشفاعة لك، وإنقاذك من النار؟! قال بعضُ السلَف: استكثروا من الإخوان؛ فإنَّ لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة، وشاهد ذلك ما جاء في الصحيحَيْن: “فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون”.

من موقع الالوكة الإسلامي