يقول المفكر الفرنسي “ألفونس دو لامارتين” الذي ولد في أكتوبر 1790، وتوفي في فبراير 1869؛ يقول في كتابه: “تاريخ تركيا”، باريس، 1854، الجزء الثاني: “إذا كانت الضوابط التي نَقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمَن ذا الذي يَجرؤ أن يُقارِن أيًّا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة، وسنُّوا القوانين، وأقاموا الإمبراطوريات، فلم يجنوا إلا أمجادًا بالية لم تلبث أن تحطَّمت بين ظهرانَيْهم، لكنَّ هذا الرجل محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يقُدِ الجيوش، ويسنَّ التشريعات، ويُقِمِ الإمبراطوريات، ويَحكم الشعوب، ويروِّض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعدُّ ثلث العالم حينئذ، ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام، والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة، لقد صبر النبي وتجلد حتى نال النصر من الله، كان طموحُ النبي صلى الله عليه وسلم موجَّهًا إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية، أو ما إلى ذلك، حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه، ووفاته صلى الله عليه وسلم، وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع، بل يدل على اليقين الصادق الذي أُعطِيَه النبي، والطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين، الإيمان بوحدانية الله، والإيمان بمخالفته تعالى للحوادث، فالشق الأول يُبيِّن صفة الله “ألا وهي الوحدانية”، بينما الآخر يوضح ما لا يتصف به الله تعالى “وهو المادية والمماثلة للحوادث”، لتحقيق الأول كان لا بد من القضاء على الآلهة المُدَّعاة من دون الله بالسَّيف، أما الثاني فقد تطلَّب ترسيخ العقيدة بالكلمة والحكمة والموعظة الحسنة.