أثبتت العلوم الطبية الحديثة أن الرضاعة الطبيعية ذات أهمية بالغة وفائدة كبيرة لصحة الطفل والأم المرضعة على حد سواء إما بدنياً، نفسياً ووقائياً ولم تُظهر الأبحاث العلمية الحديثة هذه الحقيقة إلا من عهد قريب.
فمنذ نهاية الأربعينيات من القرن العشرين وحتى منتصف السبعينيات منه كان يعتقد أن حليب الأبقار أفضل من حليب الأم، وكانت تتم تغذية الغالبية العظمى من الأطفال حديثي الولادة في البلاد الغربية والولايات المتحدة الأمريكية عن طريق هذا الحليب البديل. وكان النظام المتبع في مستشفيات الولادة هناك أن يصف الطبيب للأمّ ما يناسب طفلها الرضيع من أنواع الألبان البديلة عند مغادرتها المستشفى.
ولم يكن الأطباء يوصون بالرضاعة الطبيعية إلا عندما تكون الأم من أسرة فقيرة ولا تملك ثلاجة لحفظ الحليب لطفلها! وحتى في الحالات التي كانوا يصفون فيها الرضاعة الطبيعية، فإن مدة هذه الرضاعة لم تكن تتعدى الشهرين أو ثلاثة أشهر. أما أولئك الأطفال الذين تمتد فترة رضاعتهم الطبيعية إلى خمسة أو ستة أشهر، فلم تكن نسبتهم تزيد عن (%5) فقط من مجموع عدد السكان، وهذه النسبة لا تمثل العدد الحقيقي لهؤلاء الأطفال حيث تقل كثيراً بين المثقفين.
الطب الحديث يؤكد على أن الحليب البديل لا يعوض أبدا حليب الأم
وإلى جانب الاعتقاد السائد بأفضلية الحليب البديل في ذلك الوقت، كان هناك عامل آخر يغري الأمهات بالإقبال عليه والإعراض عن الرضاعة الطبيعية، وهو خروج النساء للعمل في الدول الصناعية والتخلص من أعباء الرضاعة الطبيعية.
وأخذت هذه العدوى وهذا الاعتقاد الخاطئ ينتقل إلى بلدان العالم الثالث على غرار الجزائر في الوقت الذي بدأت الدول الغربية (الأوربية والأمريكية) تتخلى عنه، حيث بدأ التشجيع للأمهات بأن يرضعن أطفالهن والتخلي عن الرضاعة الاصطناعية كلما أمكن ذلك ولمدة لا تقل عن ستة أشهر، وكلما كانت مدة الرضاعة الطبيعية تصل إلى العامين يكون أفضل، أما في الدول النامية فقد انحدرت نسبة الرضاعة الطبيعية.
الرضاعة الطبيعية عامل مهّل لتقليص الوفاة بعد الولادة
تشكل الرضاعة الطبيعية عاملا لتقليص الوفاة بعد الولادة، كما تلعب دورا رئيسيا في الحد من أخطار سرطان الثدي عند المرأة، حسب ما أكد، الخميس، بالجزائر، مختلف الأخصائيين.
وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور كمال كلو مدير المعهد الوطني للصحة العمومية خلال يوم دراسي حول مزايا حليب الأم، أن “النمو الجيد للأطفال الذين يرضعون حليب الأم وانخفاض أخطار تطور سرطان الثدي عند الأم التي ترضع ثبت علميا”.
من جهتها، أشارت الدكتورة ليلى أوبراهم ممثلة اليونيسيف أن معظم الوفيات عند الرضع راجعة إلى سوء التغذية والالتهابات الرئوية، ولهذا يعد حليب الأم “رهانا هاما” اجتماعيا واقتصاديا.
ومن بين الأمراض التي قد تصيب الطفل الذي لم يرضع حليب الأم، ذكر الأخصائيون الإسهالات المزمنة وارتفاع الضغط الشرياني في سن الرشد والسمنة وداء السكري وهشاشة القولون والحساسية وغيرها.
استراتيجية وطنية لترقية الرضاعة الطبيعية
من أجل حماية الطفل والأم من مختلف الأمراض، أدمجت الجزائر في برنامجها الخاص بفترة ما بعد الولادة، العلاقة بين الأم والطفل.
وتتمثل هذه الاستراتيجية الوطنية في ترقية حليب الأم أكثر فأكثر ووضع هياكل خاصة من أجل علاقة الأم والطفل منذ الولادة.
وذكر البروفيسور بلقاسم شافي رئيس مصلحة طب النساء بالمركز الاستشفائي الجامعي لوهران، النوعية العالية لحليب الأم، وهو منتوج بيولوجي حيوي ومركز يحوي على خلايا مناعية تقي الطفل من الأمراض على مدى عدة سنوات.
إن الأم التي ترضع صبيها في نصف الساعة التي تلي الولادة، تكون محمية من النزيف الدموي ما بعد الولادة ورحمها يسترجع حجمه الطبيعي في الحوض. وعلى عكس الحليب الاصطناعي، فإن تركيب حليب الأم يتكيف مع حاجيات الطفل حسب نموه، بحيث يتوفر على كل فئات الأغذية الضرورية لنمو الطفل.
من جهتها، شجعت الدكتورة زوبيدة طويمر النساء على الإرضاع، مشيرة إلى بعض الأفكار الخاطئة التي تمنعهن من ذلك مثل الآلام التي قد تتسبب فيها الرضاعة الطبيعية أو وجوب ايقاف الرضاعة في حالة الإصابة بأمراض أو تناول الأدوية. وبإمكان الأمهات اللائي يعملن تغذية أبنائهم بحليب الأم، بحيث يمكن تجميده في الثلاجة.
ق. م