تعرف العديد من المحلات حركة تجارية غابت لفترة طويلة بسبب الأزمة الصحية لكورونا التي جمّدت هذا النشاط وقلصته، كما راج أيضا البيع الإلكتروني بشكل لافت. وما شجّع العائلات أكثر على بداية التسوق هو تجنب ذلك أثناء الصيام، إضافة إلى محاولة عدم خلط مصاريف رمضان مع مشتريات العيد.
ويؤكد التجار أن الإقبال هذا الموسم بدأ مبكرا جدا خاصة في ظل اعتدال درجات الحرارة، ما دفعهم إلى عرض منتجاتهم للعائلات التي تحاول الاجتهاد في تسيير ميزانياتها للتفرغ بعد ذلك لمصاريف الشهر الفضيل.
عادة ترسخت لدى الجزائريين
ترسخت لدى العديد من الأسر الجزائرية عادة كسوة الأبناء مبكرا- حتى قبل حلول رمضان – بسبب التخوف من مشقة الصيام ولهيب الأسعار من جهة أخرى، وهو ما جعل جل الأولياء يتهافتون على اقتناء الملابس التي تعرضها السوق في هذه الأيام، حيث تحول اقتناء ملابس عيد الفطر قبل أشهر عن الموعد إلى تقليد دأبت عليه العائلات في السنوات الأخيرة، فالمتجول في مختلف محلات بيع ملابس الأطفال وعلى مستوى المساحات التجارية الكبرى، يقف على الطلب الكبير على هذا النوع من السلع.
حركة غير اعتيادية تعرفها المحلات
وقفت “الموعد اليومي” لدى تجولها بالفضاء التجاري في باش جراح على حركة غير عادية للنسوة اللواتي تزاحمن حول الأجنحة الخاصة بملابس الأطفال والأواني، ولدى احتكاكنا ببعض النسوة اللواتي كن يخترن ما يناسب أطفالهن، أكدت لنا إحداهن أن شراء ملابس العيد للأطفال لم يعد له أية نكهة كالسابق، “فيما مضى، كنا نترصد اقتراب عيد الفطر، ومنه نخرج لاختيار ما يناسب أطفالنا في جو مفعم بالفرح، أما اليوم ـ للأسف الشديد ـ أصبحنا نشتري الملابس قبل حلول رمضان بسبب الخوف من ارتفاع الأسعار الذي تحول إلى عادة سلبية عند التجار الذين يغتنمون مثل هذه المناسبات لمضاعفة الأرباح، وهو نفس الانطباع الذي لمسناه عند سيدة أخرى كانت بصدد تجريب بعض الملابس لابنتها، حيث أكدت في معرض حديثها أنها متعودة على شراء ملابس العيد قبل دخول شهر شعبان، وبالنسبة لهذه السنة هي متأخرة، وخوفا من ارتفاع الأسعار بادرت إلى البحث عما يمكن أن يناسب ابنتها وتعلق: “الخوف من ارتفاع الأسعار أصابنا باللهفة وجعلنا نضيع الشعور بفرحة الحدث في أوانه”، ثم أردفت “ومع ذلك فنحن لم نربح شيئا هذه السنة، فالأسعار ملتهبة، فأبسط القطع لا يقل سعرها عن 4000 دج”.
مليون على الأقل لكسوة طفل والزوالي يكتفي بـ “الرخيص”
اشتكى عديد الآباء من الغلاء الفاحش في أسعار كسوة العيد بسبب ما وصفوه بالمبالغة الشديدة وجنون التجار في فرض أسعار خيالية، فالنوعية الجيدة والتصاميم المميزة تضطر صاحبها إلى تسديد مبالغ كبيرة، يصل بعضها إلى 15 ألف دج أي مليون ونصف مليون، قد تقل عنها وقد تساويها أحيانا، فيما اكتفى “الزوالية” ومحدودو الدخل بطرق أبواب محلات معتدلة السعر ناهزت في الإجمال حدود 6 آلاف إلى 8 آلاف دج، وهي أسعار ليست أبدا في متناول الجميع خاصة مع التخبط الدائم مع المعيشة اليومية والغلاء الفاحش وغير المعقول الذي مس كل السلع وجميع المجالات.
ولم تخف بعض العائلات امتعاضها من هذا الغلاء، حيث أكدت أنها استدانت من أجل رسم البهجة على وجوه أبنائها.
الملابس النوعية تباع قبل رمضان وعيد الفطر
التقينا فئة أخرى من المواطنين في أسواق العاصمة، أكدوا أن السلع الجيدة من ملابس الأطفال نجدها قبل رمضان، حيث يقبل عليها الزبائن من أرباب الأسر من كل صوب وحدب، لكن بعد فترة قصيرة تنقضي هذه السلع من الأسواق، ولا تبقى إلا الخيارات من الصنف الثاني والثالث.
وبعيدا عن ملابس الأطفال، يبدو أن الكبار هم أيضا يواجهون ذات المشكلة، ذلك لأن ملابس الكبار ذات الجودة والخيارات في الألوان والمقاسات تنفد بسرعة، بحيث أكدت إحدى السيدات بأنها تقتني ملابس العيد من ملابس للبيت وأخرى للخارج في هذا الوقت من السنة، وأنها تعلمت ألا تترك الأمر إلى آخر رمضان كما كانت تفعل، فلا تجد إلا الموديلات التي لا تليق بها وبأسعار مضاعفة، وغالبا ما كانت تقتنيها فقط لأجل العيد، أما اليوم وقد تفطنت للأمر، فهي لم تعد تؤجل ذلك، وأقصى أجل للتسوق بالنسبة لها هو شهر شعبان، وحتى خلال هذا الشهر كما قالت، تجد الازدحام والإقبال بكثرة على الأسواق والمحلات.
أولياء الأسر يخططون للتخلص من أعباء العيد
ولأولياء الأسر رأي آخر في الموضوع، حيث يعتبر أغلبهم أن اقتناء مستلزمات العيد عبء ثقيل، وغالبا ما يخشون أن تتراكم عليهم المصاريف في نهاية رمضان، خاصة وأن الشهر الكريم يقضي على الميزانية وعلى المدخرات، وكما قال كمال رب أسرة “من المستحيل إرشاد النفقات خلال الشهر الفضيل، لأنه يأتي على الأخضر واليابس، وأنه غالبا ما يقضي شهر رمضان غير مرتاح بسبب تفكيره في همّ الملابس”، منذ أن تعلمنا أنا وزوجتي اقتناء مستلزمات العيد قبل حلول رمضان وأحيانا قبل حلول شعبان، صرت مرتاحا كثيرا ولا أشعر بالعبء الذي كان يثقل كاهلي من قبل، لقد ارتحت منها هذا العام أيضا وتفرغت لأمور أخرى، والعيد بالنسبة لي صار موعدا لا يتطلب مني شيئا، فعلا هو تدبير فعال وصلت إليه العديد من الأسر الجزائرية، التي لو حذت كلها مثل هذا الحذو لكسرت شوكة التجار خلال الأيام الأخيرة من رمضان، حيث تعودوا على استنزاف جيوب المواطنين في مثل هذه المناسبات بدون رحمة ولا هوادة، والمصيبة أن أرباب الأسر لا يتحكمون في زمام الميزانية خلال شهر رمضان بسبب وحم الصائمين.
ق. م