أفضل الفضائل تحصيل العلم، وطلب الزيادة منه أمر رباني “وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا” طه:114، وقد ميز الله أهل العلم على من سواهم، فقال: “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ” الزمر:9، ورفعهم الله على من عداهم ” يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ” المجادلة:11، فهم أتقى الناس، وأكثرهم لله خشية “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ” فاطر:28. غير أن العلم لا ينفع صاحبه حتى يعمل به، فإن تعلَّم ولم يعمل كان أهلا للذم والقدح، وقد ذم الله في كتابه أقواما علموا ولم يعملوا، وقالوا ولم يفعلوا، وأمروا بالبر ولم يأتوه، ونهوا عن الشر وواقعوه، فبكتهم سبحانه في كتابه وعيرهم فقال “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُون ما لا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ” الصف:2-3. وقال لقوم خالفت أفعالهم أقوالهم: “أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ” البقرة:44.
ولا شك أن الذم والتقريع والتبكيت هنا ليس واقعا على الأمر بالبر، وإنما على أمر الناس وترك أمر النفس به، ووعظ الناس دون النفس. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان سيسأل عن علمه وماذا عمل فيه، فقال “لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عمرِهِ فيما أفناهُ، وعن عِلمِهِ فيمَ فعلَ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ، وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ” الترمذي.
وقد ضرب الله مثلا لمن تعلم ولم يعمل بأقبح الحيوانات، فقال عن علماء اليهود “مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا” الجمعة:5، وضرب سبحانه مثلا للعالم الذي لا يعمل بعلمه بالكلب الذي يلهث على كل حال، “وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ” الأعراف. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من علم لا ينفع، فمن دعائه صلوات الله وسلامه عليه “اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ منَ الأربعِ: مِن عِلمٍ لا ينفَعُ، ومِن قَلبٍ لا يخشَعُ، ومِن نَفسٍ لا تَشبعُ، ومِن دُعاءٍ لا يُسمَعُ” صحيح أبي داود، والعلم إنما ينفع إذا عمل به، والقلب لا يخشع إلا إذا طبق ما يعلمه. وأما في الآخرة فالخطب أجل، والأمر أدهى وأمر، حيث روى البخاري عن أسامة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم “يجاءُ بالرجُلِ يَوْمَ القيامَةِ فيُلْقَى في النارِ، فتَنْذَلِقُ أقتابُهُ، فيدورُ بها في النارِ، كما يدورُ الحمارُ برحاهُ، فيُطِيفُ بِهِ أهلُ النارِ، فيقولونَ: يا فلانُ! ما أصابَكَ؟ ألم تكنْ تأمرُنا بالمعروفِ وتنهانا عنِ المنكَرِ؟ فيقولُ: بلَى، قَدْ كنتُ آمرُكُم بالمعروفِ ولَا آتِيهِ، وأنهاكُم عَنِ المنكَرِ وآتِيهِ”.
من موقع الالوكة الإسلامي