لَقَدْ حَثَّكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ عَلَى اغْتِنَامِ أَيَّامِ اللَّهِ الْمُبَارَكَةِ، وَمِنْ أَيَّامِ اللَّهِ الْفَاضِلَةِ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، فَقَدْ وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِي صِيَامِ أَيَّامِهِ، احْتِسَابًا لِلْأَجْرِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ” أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ”. وَفِي الْعَاشِرِ مِنْ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ، ذِكْرَى عَظِيمَةٌ، خَلَّدَهَا تَارِيخُ الْإِنْسَانِيَّةِ بِأَحْرُفٍ نَاصِعَةٍ فِي سَمَاءِ الْحَقِّ الْمُبِينِ، حَيْثُ نَجَّتْ عِنَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى كَلِيمَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَوْمَهُ مِنَ الْفِرْعَوْنِ الَّذِي سَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ سُوءَ الْعَذَابِ، وَشُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى صَامَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِصِيَامِهِ، ثُمَّ تَتَوَالَى الْقُرُونُ، وَيَصْدَعُ نَبِيُّنَا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِكَلِمَةِ الْحَقِّ، وَيُذَكِّرُ أُمَّتَهُ بِقِصَّةِ الصِّرَاعِ الْمَرِيرِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَيَأْمُرُهَا بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ، اقْتِدَاءً بِالْكَلِيمِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَسْتَحِبُّ مَعَهُ صَوْمَ التَّاسِعِ، تَمْيِيزًا لِلْعِبَادَةِ فِي الْإِسْلَامِ عَنْ عِبَادَاتِ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ، مُحْتَسِبًا تَكْفِيرَ ذُنُوبِ سَنَةٍ مَاضِيَةٍ، فَقَالَ عليه السَّلام: ” لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ”، فَاقْتَدُوا عِبَادَ اللَّهِ بِرَسُولَيِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ: سَيِّدَيْنَا مُوسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، بِأَنْ تَصُومُوا يَوْمَيِ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ الْقَادِمَيْنِ، وَتَفَاءَلُوا خَيْرًا بِنَصْرِ اللَّهِ الْمُبِينِ عَلَى قَتَلَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَعْدَ صِدْقٍ عَلَى لِسَانِ الْكَلِيمِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ” كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ” وَعَلَى لِسَانِ الْحَبِيبِ الْمُصْطَفَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ يُطَمْئِنُ قَلْبَ الصِّدِّيقِ ” لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا”. فَقَدْ صَحَّ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْمُسْنَدِ، وَالْبَيْهَقِيِّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا، مَوْقُوفًا عَلَى سَيِّدِنَا عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِي غُرَّةِ الْمُحَرَّمِ: “هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ، حَتَّى تَحْصُلَ أَمْوَالُكُمْ، فَتُؤَدُّوا مِنْهَا الزَّكَاةَ”. فأَخْرِجُوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا نُفُوسُكُمْ، سَخِيَّةً بِهَا أَيْمَانُكُمْ، تَبْتَغُونَ مَرْضَاةَ رَبِّكُمْ، مُتَأَلِّفِينَ قُلُوبَ إِخْوَانِكُمْ، مُسْهِمِينَ فِي اقْتِصَادِ وَطَنِكُمْ، مُـمْتَثِلِينَ أَمْرَ فَاطِرِكُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ” خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ” وَقَالَ أَيْضًا ” إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ الذاريات: 19-15.
الجزء الثاني من خطبة الجمعة من جامع الجزائر