يلجأ العديد من الإعلاميين اليوم إلى نقل المعلومة دون التأكد من صحتها ودون البحث والتحري في مصداقيتها، خاصة في زمن الوسائل التكنولوجية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث أصبح الإعلامي يعتمد عليها أكثر من البحث عن المعلومة من مصدرها.
وبين سرعة الحصول على الخبر للفوز بالسبق الصحفي، يقع الإعلامي في متاعب المهنة التي تفرض عليه بذل أقصى جهوده واللجوء الى وسائل عدة للحصول على المعلومة من مصدرها مهما كان الثمن، ولا ننكر أن كثرة الوسائل المتاحة للإعلامي سهّلت عليه المهام للوصول إلى الخبر، لكن نقله دون التأكد من مصداقيته أعطى صورة سلبية لمهنة المتاعب.
وللحديث عن خبايا هذا الموضوع، اتصلت “الموعد اليومي” ببعض الإعلاميين من مختلف وسائل الاعلام الذين عبروا عن آرائهم من زوايا عديدة.
أمينة زيري: الإشكال غير مطروح في الإعلام العمومي

في نظري إذا أراد الإعلامي أن يفرض وجوده كاسم إعلامي له وزن وثقل، لابد أن ينقل المعلومة بمصداقية بعدما يتأكد من صحتها قبل أن يقدمها للمتلقي. ففي سنوات العشرية السوداء مثلا وفي عز الإرهاب، كان الإعلامي يتنقل إلى مكان الحدث لنقل المعلومة الصحيحة، وكان يغامر بحياته من أجل إفادة القارئ أو المشاهد والمستمع بالخبر اليقين. صحيح أن هناك بعض الصعوبات يتلقاها الإعلامي في الوصول إلى المعلومة، لكن هذا لا يبرر نقله لها (المعلومة) بطريقة عشوائية ودون التأكد من مصدرها وصحتها، لأن مهنة الإعلام هي في الأصل مهنة المتاعب ويتطلب من الإعلامي نقل الخبر بصدق ومصداقية، فلا يحق لأحد أن يوقع المواطن في الغلط عبر نقل أخبار من شأنها أن تضر بالوطن والمجتمع، ولا أظن أن الإعلامي الذي يقدس مهنته ويعمل بطريقة محترفة في التعاطي مع الشائعات والمعلومات الكاذبة يقوم بذلك، وفي اعتقادي أن هذا الإشكال غير مطروح في القطاع العمومي لأن الصحفي في وسائل الإعلام العمومية مطالب بالالتزام بالمصداقية في نقل الخبر.
فيصل فرحاني: البحث عن السبق الصحفي هو السبب

السبب الرئيسي حسب رأيي الذي يدفع بالإعلامي إلى نشر المعلومة دون التأكد من صحتها هو البحث عن السبق (السكوب) بغية تحقيق التميز بسرعة، وهذا أمر خاطئ يسيء لمهنة الإعلام وأخلاقياتها. وللأسف الشديد انتشر هذا الداء بقوة في عصر السرعة والوسائل التكنولوجية الحديثة خاصة في ظل وجود الصحافة الإلكترونية، فبمجرد سماع الخبر ينشر مباشرة لأن من يقوم بذلك يخاف أن يسبقه آخر في نقل تلك المعلومة. وهناك أخبار مغلوطة كثيرة تنشر وتؤثر سلبا على حياة الأشخاص المعنيين بالمعلومة خاصة أخبار الموت التي تعد الأكثر انتشارا في الوسط الإعلامي، ونصيحتي لهذه الفئة من الإعلاميين أن يراجعوا أنفسهم ويتأكدوا من المعلومة قبل نشرها ويبتعدوا عن المعلومة الخاطئة.
عماد سعدون: بعض الإعلاميين لا يفهمون المنافسة بمعناها الصحيح

المشكل الحقيقي الذي يطرح بشأن هذا الموضوع الحساس يكمن في الفهم الخاطئ للتنافس والمنافسة عند بعض الإعلاميين، فالمنافسة عند هؤلاء تعني الأسبقية في نشر الخبر دون التأكد من مصداقيته وصحته، ويؤسفني أن أشير إلى أن أغلب مسيري هذه الوسائل الإعلامية بعيدون كل البعد عن مجال الإعلام وهم يحاصرون الإعلاميين الذين تخرجوا من الجامعات تخصص إعلام. مالكو القنوات الخاصة أو الجرائد يبحثون عن تحقيق نسب مشاهدة أكبر أو نسبة مقروئية أكبر. وفي هذا الشأن لا ألوم الصحفي بقدر ما أعاتب أصحاب هذه المؤسسات الذين يبحثون عن الإثارة لتحقيق الانتشار حتى ولو كان على حساب استقرار الوطن، وهذه الوسائل للأسف تؤكد وتنفي الخبر في آن واحد وتضرب بالمصداقية عرض الحائط وهو أمر يبعث على الحسرة ويعطي صورة خاطئة لمهنة المتاعب.
هدى. ح: الوسائط الاعلامية مصدر المشاكل

للأسف الشديد التسابق في نقل المعلومة دون التأكد من مصداقيتها لم يكن مطروحا في الزمن السابق، بل انتشر بسرعة البرق مع ظهور الوسائل التكنولوجية الحديثة، حيث أصبحت الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي المصدر عند أغلب الإعلاميين في نقل المعلومة، وهذا ما أدى إلى الانتشار الفادح في نقل المعلومة دون التأكد من صحتها، وأظن أن الإعلامي الذي يملك ضميرا مهنيا لا يلجأ إلى تقديم معلومات للمتلقي من مواقع التواصل الاجتماعي دون التأكد من مصداقيتها.
الصحفي مطالب بتصويب الخطأ لأن التمسّك به يفقد الإعلامي والوسيلة بشكل عام المصداقية التي يجب أن يتمتّعا بها. كذلك من حق المتلقّي أن يحصل على المعلومة الصحيحة من الإعلاميين، وهذه المهام الحقيقية للصحفي المحترف.
محمد علال: مفهوم المعلومة عند الإعلاميين الجدد اختلف عن السابق

هناك عراقيل كثيرة تواجه الإعلامي للوصول إلى المعلومة الصحيحة ومن مصدرها، لأن وزارة الاتصال وللأسف لم تؤسس آليات لذلك، كما لا يوجد بمؤسسات الدولة المختلفة مدراء إعلام يزودون الإعلامي بالأخبارالموثوقة، والزمن الحالي هو عصر السرعة ومفهوم المعلومة اختلف عند الجيل الجديد للإعلاميين مقارنة بالزمن السابق. وفي غياب البديل لدى الإعلامي، يبحث الأخير عن المعلومة بطرق أخرى حتى لو كانت خاطئة ما دام الأمر يتعلق بمفهوم مقلوب للسبق الصحفي المتعارف عليه والذي يخضع لأبسط أبجديات المهنة.
حسناء بوروبي: الصحفي بين رهينة المصادر وواجب الوطن

ثمّة حقائق مؤسفة تنخر المجال الاعلامي في الجزائر تتمثّل من جهة في صعوبة وصول الصّحفي للمعلومة لأسباب متباينة، بينها تكتّم المصادر عن تقديمها، ما يجعل الصحفي رهينة بين المصادر وواجب خدمة المواطن، وهذا يقسّم الصحفيين في طريقة التعامل معه إلى صحفي مسؤول وصاحب ضمير يسعى جاهدا لتجاوز العراقيل لأجل استيقاء المعلومة من مصادرها، بينما لا يبذل من يكتب بلا ضمير جهدا للوصول للمعلومة الصّحيحة والتأكّد من مصدرها الموثوق، فأصبحنا نقرأ خبرا في جريدة يتبعه تصويب أو تكذيب، مثلما يوجد من الصحفيين من نشروا مواضيع استخدمت في جريدة في شكل “كذبة أفريل” ولم يتفطّنوا لذلك ونسبوها لمصدر رسمي وموثوق. من جهة أخرى، هناك بعض الصحفيين من يختار المسار السّهل، فلا يتعاملون مع المصادر رغم وجودها، ممّا يوصلهم للمتابعات القضائية ويوقعهم في نقل الأخطاء الفادحة بعيدا عن الأمانة حبّا في الإثارة حينا ولغياب التكوين الجيد والكفاءة أحيانا كثيرة، مثل أشباه الصحفيين ممّن يحرّفون المعلومة خدمة لجهة معيّنة أو لسوء الفهم ونقص خبرتهم، جعلوا العديد من المصادر تفقد الثّقة وتتحفّظ في التعامل للأسف حتى مع الصحفيين أصحاب الضّمير، أو يقدّمون معلومة لصحفي معيّن دون غيره، ما خلق ما يعرف بالتّمييز بين الأسرة الإعلامية، فأصبحنا أمام ظاهرة تتكرّر مع الصحفيين في بحثهم عن المعلومة من مصدرها تتمثّل في سؤالهم أوّلا وقبل تلقّيهم أيّة إجابة “في أيّ وسيلة إعلامية تعمل؟”، ليكون تقديم المعلومة حسب وزن الوسيلة الإعلامية ونسبة مشاهدتها أو سحبها، وهذه للأسف مشاهد تضرّ بالعمل الإعلامي في بلادنا وتستوجب إعادة نظر وتحتاج لتنظيم وبُعد نظر.