لكل من يريد أن يعود بعد ضياع، ولكل من يريد أن لا يفوته الأوان، وأن لا يتجاوزه القطار، ولكل من يبحث عن السعادة المفقودة، ويريد أن يضع قدمه على أول طريق الهداية بعد رحلة طويلة وشاقة في الضياع بالابتعاد عن طريق الله تعالى، نقول له: “اعتن بقلبك أولًا”. ففي صلاح القلب صلاح الجسد كله بشقيه المادي والروحي، ويفسد الجسد بفساد القلب، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا وإن في الجسد مضغة: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب” رواه البخاري، وهذه المضغة العضلية هي مركز العقل والوعي والإدراك والفقه والبصيرة، وهي منبع الرحمة الإنسانية، وهي الموجه الأساس لبقية الجوارح؛ يقول تعالى: ” أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ” الحج: 46.
وفي القلب قوتان، هما اللتان تديران دفة قيادة الجسد، وتحركان جوارحه، هما قوة العلم والتمييز التي بها يعرف الأشياء على وجهها الصحيح نافعها وضارها، حقها وباطلها، والقوة الثانية هي قوة الإرادة والحب التي بها، وعن طريقها يقرر أين يكون توجه جوارح جسده؛ يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله: “فلما كان في القلب قوتان قوة العلم والتمييز، وقوة الإرادة والحب، كان كماله وصلاحه باستعمال هاتين القوتين فيما ينفعه، ويعود عليه بصلاحه وسعادته، فكماله باستعمال قوة العلم في إدراك الحق، ومعرفته والتمييز بينه وبين الباطل. والقلب هو محل نظر الله تعالى من البشر، وعلى ضوء ما فيه من خير أو شر سيؤجر الإنسان أو يؤثم، ثم سينجو أو يهلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” رواه مسلم.
ولهذا كان أصل قبول الأعمال هي النوايا، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: “الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه” رواه البخاري.