اعتز بأصالة وطنه ومواطنيه وواجه مصيره بشجاعة , مولود فرعون… كاتب حيّر أدباء الغرب

elmaouid

يعتبر الكاتب، مولود فرعون، واحدا من أبرز مؤسسي الأدب الجزائري الفرنسي التعبير، وسط كتاب آخرين على غرار محمد ديب ومولود معمري وكاتب ياسين، ويصفه الناقد الفرنسي المتخصص في الأدب الجزائري، جان

ديجو، أن “الأدب الجزائري المعاصر المكتوب بالفرنسية، ولد، في واقع الأمر، بصدور رواية “ابن الفقير” لـ فرعون في بداية الخمسينيات.”

 

هذه الرواية التي تعد باكورة أعماله، جاءت في شكل سيرة ذاتية، تؤرخ للبؤس الذي عاشه بطلها “فورولو”، في ظل الحياة اليومية بمسقط رأسه في منطقة القبائل، إبان الحقبة الإستعمارية.

وكان صدور هذه الرواية للمرة الأولى عن “دار لوسوي” بباريس سنة 1954، وكان مولود فرعون قد أراد أن يصور أبناء بلده على بساطتهم، لا كما يفترى عليهم، وكان هذا شغله الشاغل من خلال مؤلفاته إلى أن اغتيل سنة 1962.

ورسم هذا العمل الفريد من نوعه ـ والذي تمت ترجمته فيما بعد إلى العديد من اللغات ـ طريق النجاح لبقية أعماله، “الأرض والدم” و”الدروب الصاعدة”، و”ابن الفقير” والتي تم إدماجها بعد الإستقلال ضمن المناهج الدراسية الجزائرية.

ويرى الكاتب، بوداود عمير، “أن كتابات مولود فرعون، تمتاز بمزجها بين التحقيق الميداني والقصة التوثيقية، حيث كان يعتمد فيها على المراقبة العينية والمعرفة الوثائقية المقربة لمنطقة قضى فيها طفولته وجزءا كبيرا من شبابه”، مرجحا أن “هذا اللون من الكتابة اقتضته مآسي الحرب وبؤس حياة السكان وفظاعة زمن الاستعمار”.

واستشهد، عمير بقول فرعون عن مؤلفه: “لقد كتبت “ابن الفقير” أثناء سنوات الحرب المظلمة على ضوء مصباح تقليدي، في هذه الرواية، يمكن القول إنني وضعت أفضل ما عندي”، وكان مولود فرعون قد رد على سؤال للكاتب والصحافي الفرنسي، موريس مونواييه (1920 – 2016)، بخصوص اعتبار الرواية سيرة ذاتية، قائلا: “نعم، أنا متمسك، وبشكل كبير، بهذا الكتاب، أولاً، لكوني لم أكن آكل إلا عندما كنت أحس بالجوع، كما أن هذه الرواية جعلتني أنتبه إلى إمكاناتي، فالنجاح الكبير الذي حققته شجعني على المضي قدماً في كتابة روايات أخرى”.

وأفاد بوداود، أن صاحب “الدروب الوعرة” واجه مصيره بشجاعة منقطعة النظير حيث قال قبل وفاته: “أعلم أنني، ربما، سأموت اليوم… قد أُعدم بالرصاص غدا، ولكنني أعلم أنني أنتمي إلى شعب عظيم يملك عزة نفس، استطاع أن يزعزع قرنا من السبات الذي أغرقه في ظلام دامس، وأن لا شيء يمكنه، منذ الآن، إعادته إلى سابق عهده”.

الكاتب والصحافي، موريس مونواييه، عاش في الجزائر ما بين 1948 و1956 وشغل منصب رئيس تحرير في صحيفة “الجهد الجزائري”، وكانت تجمعه صداقة متينة بفرعون حيث كانت بينهما مراسلات كثيرة قد جمعها الباحث إقبال مهني في كتاب عنوانه: “مولود فرعون، موريس مونواييه: قصة صداقة”، حسب ما ذكر الكاتب بوداود عمير.

كما نقل عمير وصف موريس أول لقاء له مع مولود فرعون، حيث قال: “كلمني عنه إيمانويل روبليس، بعد نصف ساعة، دخل إلى مكتبي، يداه كانتا مرتبكتين، كان يحمل مظلة ومحفظة جلدية، تخلص من هذه الأشياء قبل أن يصافحني بمحبة، بدا لي متوجسا، يكاد يكون خجولا، ولكن ما إن تتوافر أجواء الثقة حتى يتفاعل بنشاط، ويفتح قلبه، إنه الإنسان الأكثر روعة من بين الذين عرفتهم، عندما كان يتكلم، كنت ألاحظه خفية، من خلف زجاج نظارته المثيرة للإنتباه، كانت عيناه تشعان بريقا حيث يلوح من خلالهما، بصيص قادم من عمق حياة داخلية”.