إذا كان المسلم في حياته محتاجًا إلى التحلِّي بمحامد الأخلاق وكريم الصِّفات؛ ليعيش في دُنياه عيشة نقيَّة، ويَموت إذا انتهى أجله ميتة سويَّة، فإنَّ الصَّبْرَ من أهم ما يحتاج إليه في جوانب حياته ومجالاتها المختلفة، ذلكم أنه لا استقامة ولا كرامة، ولا إمامة ولا زعامة، ولا فوزَ ولا فلاح، إلاَّ بالتحلي بالصبر؛ إذ هو وقود وزاد، وقوة في الشدائد وعَتَاد، يَحتاجه المريضُ في شكواه، ولا يستغني عنه المُبتلَى في بَلْواه، ولولا الصبرُ لغرق المهموم في بُحور همومه، ولغشت المحزونَ سحائبُ غمومه. طالب العلم بحاجة إلى الصَّبْر على كتبه ودُروسه، والدَّاعية مع مدعويه لا يشد عزمه مثل الصبر، ولن ترى أبًا في بيته، ولا مُعلمًا في مدرسته، ولا موَظفًا في مُؤسَّسته، ولا أمًّا ولا زوجة ولا ربة بيت ولا خادمًا، إلا وهم في حاجة إلى الصَّبر ماسَّة. وعلى كَثْرة النِّعَم التي يُوليها الرب جَلَّ وعلا لعباده، فإنَّ الصبر يأتي منها في المقدِّمة؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم “وما أُعْطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر” رواه البخاري ومسلم؛ ولأهمية الصبر وعُلُوِّ منزلته ورفعة شأنه، ذكره جلَّ وعلا في كتابه في أكثرَ من تسعين موضعًا، فأمر به ونهى عن ضده؛ فقال: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا ” آل عمران: 200، وقال لنبيه صلَّى الله عليه وسلَّم ” فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ” الأحقاف: 35، وقرنه بالصلاة في قوله” وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ” البقرة: 45.
وإنَّ من أعظم الخير في الصبر أنَّ أجْرَه لا يقدر ولا يُحدَّد؛ قال سبحانه ” إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ” الزمر: 10، وإذا وجد الصابرون في الصبر مرارة في الحلوق، وثقلاً على النفوس، أتت محبة الله جلَّ وعلا للصابرين ومعيته لهم؛ لتُخفف عنهم وطأته، وتُهون عليهم صعوبته؛ قال تعالى ” وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ” آل عمران: 146، وقال تعالى ” وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ” الأنفال: 46، وحين يفرح المستعجلون بما ينالونه مِن متاعٍ دُنيويٍّ زائل، أو يتمتعون بتحقيق ما يتمنَّونه من أمانيّ قريبة، يأتي فلاحُ الصَّابرين وفوزُهم بالجنة مُطَمْئِنًا لهم بأن لهم العاقبة الحسنة، والمتاع الجميل في الآخرة؛ لئلاَّ يَيْئَسُوا من روح الله أو يَقْنَطوا من رحمته؛ قال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” آل عمران: 200، وقال تعالى في أهل الجنة: ” إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ” المؤمنون: 111، وقال سبحانه ” وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ” الرعد: 23 – 24، وقال تعالى ” أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا ” الفرقان: 75. ومع اقتضاء الصبر حبس النفس على المكاره، وتحمُّل بعض المشاق، فإنه لا يعني أن يتوقف المرء في مكانه ويستسلم، بل لقد طلب منه أنْ يتصرف بما يُخفف مُصابه، وأنْ يَحرص على ما ينفعه، ويبذل من الأسباب ما يَجلب له الخير، ويدفع عنه السوء برحمة الله.
من موقع الالوكة الإسلامي