اسدال الستار على المهرجان الوطني الـ 12 للمسرح المحترف… الجائزة للسكيكديين وتألق لافت لفناني سوق أهراس

elmaouid

توج عرض “ما بقات هدرة” لمسرح سكيكدة الجهوي، ليلة الأحد، بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني الثاني عشر للمسرح المحترف، لكن التألق الأكبر والأشمل عاد لمسرح سوق أهراس الجهوي الذي خرج ظافرا

بخمس جوائز كاملة في سهرة مميزة ستبقى راسخة في أذهان عشاق ومحبي الفن الرابع.

 

ففي حفل ختامي بهيج نقل تفاصيله موقع المهرجان، توّجت مسرحية “ما بقات هدرة” لكاتبها ومخرجها محمد شرشال بتاج أحسن عرض متكامل، في وقت ظفر مسرح سوق أهراس الجهوي بخمس جوائز نالتها كل من صبرينة دريشي كأحسن أداء نسائي رئيسي، وأحمد رزّاق كأحسن نص وإخراج، مثلما عادت جائزة أحسن أداء رجالي ثانوي لمحمد الحواس عن دور الجدّة في عرض كشرودة، وأكمل حسان لعمامرة العقد الفريد بجائزة أحسن إبداع موسيقي.  

وأتى التتويج بجائزة أحسن أداء رجالي رئيسي، لمحمد الزاوي عن دوره في مسرحية “العطب” لمسرح باتنة الجهوي، بينما آلت جائزة أحسن أداء نسائي ثانوي إلى الممثلة نجلاء طارني عن دورها في مسرحية “سلالم الظلمة” لمسرح قسنطينة الجهوي.

وانتزع حمزة جاب الله جائزة أحسن سينوغرافيا عن عرض “انتحار الرفيقة الميّتة” لمسرح العلمة الجهوي. ومُنحت جائزة لجنة التحكيم إلى عرض “المنبع” لمسرح مستغانم الجهوي، في حين استحدثت جائزة التنويه والاشادة التي كانت من نصيب طاقم عرض “ما بقات هدرة” لمسرح سكيكدة الجهوي، تقديراً من لجنة التحكيم لـ “عطاءات وتكامل” الفريق المذكور.

 

انتقاد تحكيمي

شدّد الباحث علاوة جروة وهبي رئيس لجنة تحكيم الدورة الـ 12، على وجوب كشف المتنافسين مستقبلا عن مصدر الموسيقى التي يستخدمونها في عروضهم، وانتقد هيمنة السينوغرافيا، كما نادى بتظافر كافة الممارسين في إنضاج الأعمال.

وأعلن جروة وهبي عن استبعاد لجنة التحكيم لكل نص مسرحي مقتبس من المناقشة والجوائز.

 

تعديلات هامة اعتبارا من 2018

وفي كلمته بالمناسبة، أكّد الأستاذ “محمد يحياوي” محافظ المهرجان إدخال تعديلات هامة على قانون المهرجان الوطني للمسرح المحترف، وتكليف لجنة متخصصة بانتقاء العروض التي ستشارك في النهائيات اعتبارا من دورة 2018، فضلا عن العرضين الفائزين في مهرجاني قالمة وسيدي بلعباس المخصّص للتعاونيات والجمعيات الحرة.

 

نجاح كبير بمال قليل

وشدّد وزير الثقافة عز الدين ميهوبي على “النجاح الكبير” للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، وقال إنّه يمكن بـ “مال قليل تصنيع فرجة كبرى”.

وفي حضور وزير الشباب والرياضة، الهادي ولد علي، كشف ميهوبي عن إقرار السلطات إنتاج عروض مسرحية أمازيغية دوريا، مع الحرص على أن تكون مقتبسة من أعمال جزائرية.

وقالت الأكاديمية جميلة مصطفى الزقاي إنّه جرى تقييم مستوى التكوين في التربص الدولي للنقد المسرحي بـ 75 %، وهو ما اعتبرته “تقديراً جيداً”.

وحظي فريد ياهو بالجائزة الأولى، بينما عادت الجائزة الثانية إلى مراد لوافي، وجرى منح الجائزة الثالثة لعبد الحميد مهملي.

يُشار إلى أنّ التربص الدولي للنقد المسرحي استمرّ خمسة أيام، وشمل تشكيلة من الجوانب العلمية تحت إشراف أساتذة متخصصين وذوي باع في المجال، ويتعلق الأمر بفهد الكغاط (المغرب)، يوسف بحري (تونس)، فضلا عن الأكاديميين الجزائريين عدلان بن جيلالي وجميلة مصطفى الزقاي.

 

هيمنة الكوميديا السوداء وخيبات أمل

وهيمنت الكوميديا السوداء بدرجة كبيرة والسيكودراما بدرجة أقل على العروض التي قدّمتها الفرق المتنافسة، وأخفقت بعض العروض في إرضاء الجمهور، بينما برز الممثلون في أغلب العروض كرأسمال رمزي للعملية المسرحية أكبر من السينوغرافيا والديكور والموسيقى.

واعتمد المخرجون على الكوميديا فيما يشبه البحث عن الفرجة وإغراء الجمهور، وانتقدوا الوضع العام من خلال السخرية، كما حضر المريض العقلي أو الأبله في أغلب المسرحيات ما جعل كثيرا منها تنهل من السيكودراما.

وقدم المخرج أحمد رزاق مسرحية “كشرودة” التي صفق لها الجمهور مطولا.

كشرودة عمل يشكل استمرارية في أسلوب رزاق المسرحي ضمن “الكوميديا السوداء” تناول عبره البؤس العام وانسداد الأفق وانهيار القيم.

وينخرط عرض “الاشاعة” لأحمد خودي في موجة الكوميدية الساخرة بتناوله موضوع الفساد بالنقد والتعرية، حيث لجأ المخرج إلى تكثيف الفكاهة والحركة على الركح، وأظهر الكثير من المفارقات التي يعيشها المسؤول الفاسد وحاشيته في البلدات المعزولة عن مركزية العاصمة.

وتأتي مسرحية “سلالم الظلمة” لمسرح قسنطينة من نص وإخراج كمال فراد لتنخرط في المسار الكوميدي، مبنية على تقاطعات حكائية تناقش تشكل السلطة باعتماد تقنية “المسرح داخل المسرح”، ولعل عمل فراد يلتقي وعمل ربيع قشي “المنبع” إضافة إلى الكوميديا في استثمار لوحات مسرحية يمكن أن تشاهد مفصولة كمشاهد مجتزئة من ريبرتوار المسرح الجزائري.

ويمكن اعتبار المخرج فوزي بن ابراهيم المخرج الأكثر حضورا عبر عرضيه “انتحار الرفيقة الميتة” الذي يصنف كسيكودراما و”عطب” وهما العرضان اللذان حققا نسبة جيدة من التناسق والاكتمال الفني، وظهر أن المخرج اشتغل على كافة عناصر العرض وحاول أن يبرر فنيا كل خياراته، بل وتمكن من تقديم الحجة أمام المختصين في المناقشة حول العرضين.

كما قدم المخرج عز الدين عبار عرض “الحارس” الذي أبهج الجمهور باتكائه على البساطة والعمق والإبهار دون أن يعمد إلى مؤثرات جانبية تشوش الحكاية والأداء مبتعدا عن الكوميديا المبتذلة ومقترحا شخصية المريض العقلي الذي يهذي ويصيب.

وضمن صناعة الفرجة عاد محمد شرشال بعرض “ما بقات هدرة” معتمدا على الفرجة العالية ومسرح الإيماء والمهرج وأدوات سينمائية، ولعل تقنيات السينما كانت حاضرة في عروض منها عرض “ريح لحرور” و”المنبع”.

وضمن خط مختلف يأتي عرض “امرأة بظل مكسور” للمخرج جمال حمودة والذي يلخص عذابات امرأة، ويجعل الرجل شريكا فيها بدل تحميله كل المسؤول، وهو العرض الذي كتبت نصه كنزة مباركي مستندة على سردية عالية، ويأتي عرض “عطاشى” للنعاس حواش مكثفا في الرمزية ناقدا التسلط وفقدان الحرية والمؤامرة على القيم الإنسانية.

وفي تصنيف الاحتفاء بالتاريخ وأسئلته، تأتي مسرحية “ريح لحرور” للمخرج أحمد بن عيسى، والتي تتخذ من حدث اعتقال طارق واستجوابه ثم استشهاده في معتقل فرنسا الاستعمارية محورا حكائيا، بينما تمضي بهدوء طوال العرض معتمدة على الحوارية، وتشاركها مسرحية “لا لن أعتذر” لعيسى جقاطي والتي لجأت أيضا إلى التاريخ فيما يشبه المسرحيتين التسجيليتين ضمن المهرجان.

 

إخفاق خيارات والرهان أكبر على الممثل

في المقابل، خيّب العرضان “عودة الحراقة” لرشيد و”اوميرت الصمت” لإبراهيم شرقي أفق الانتظار لدى الجمهور المختص، إذ قدما محاولة فجة ومتواضعة نزلت عن مستوى باقي العروض، من حيث البناء والخطاب المسرحي والخيارات الفنية، واشترط العرضان في أن المخرج يمثل في المسرحية ويتصرف في النص.

ولم يتمكن رشيد معمرية مخرج وكاتب نص “عودة الحراقة” من تبرير عرضه الذي اتسم بابتذال في الكثير من مراحله، وقدم نماذج شخصية متناقضة، حيث وضع المتفرج أمام شخصيتين من بين ثلاث شخصيات، معتوه متزوج وأب يهاجر “حراقا” مع رفيقه الذي يبدو أكثر حيلة – وهو الآخر متزوج وأب- ليقدم أولى الإخفاقات من خلال تركيب غير مبرر، حيث لا تمثل هذه الفئة الحراقة الجزائريين.

أما الشخصية الثالثة فهي دمية تتحول إلى بشر، ورغم أن الفكرة كانت جيدة إلا أن استثمارها لم يكن بقدر طرحها: فالدمية هي رمز لـ “تشيئ المرأة في بلاد  الغرب”، إذ يقتني الحراق الأكثر حيلة الدمية فتتحول إلى إنسان ويبقى هو يردد أنه اقتناها بماله.

وقدّم إبراهيم شرقي عرضا أقل من صداه، واقترح تركيب مسرحي معارض لمسرحية “الفيل يا ملك الزمان” لسعد الله ونوس، بتحويله الفيل إلى فيلة، دون أن يقبض على حكاية واضحة، وأدرج خطابا مسرحيا مقحما تخلله الصراخ والحركات السريعة غير المبررة.

وبني العرض على حكاية الفيلة التي قتلت طفلا في السابعة، ثم قررت الرعية أن تحتج. وعلى عكس مسرحية ونوس، فإن الرعية هنا تختلط بالملك وحاشيته ليصبحوا في النهاية في جبهة واحدة -“جبهة المقهورين”- الذين يغنون من أجل وطنهم، في توجيه غير مفهوم.

وبرز أداء الممثلين على الخشبة في أغلب العروض، إذ لمس جمهور النقاد “مقدرة الممثل على التكفل بدوره في غياب توجيه المخرج في كثير من العروض”، كما أن عددا من العروض لم تكن غنية من حيث الديكور، حيث اعتمدت أغلبها على سينوغرافيا فقيرة ما جعل الرهان على الممثل أكبر.

وأسدل الستار على المهرجان الوطني الـ 12 للمسرح المحترف مساء الأحد بعد تسعة أيام من العروض قدمت خلالها 23 مسرحية من بينها 16 في المنافسة.