إلى غاية مساء السبت ، لم يكن أحد يتصور أن الرجل “الانتحاري” سعداني سيستقيل من على رأس الحزب العتيد وهو الذي لم يترك للرأي العام مجالا للشك في أن “سي عمار” لن يتزعزع من أمانة الأفلان إلى غاية المؤتمر الحادي عشر للحزب، لكنه فعلها دون سابق إنذار ولا حتى تلميح ..
تساؤلات كبرى تدور حول “واقعة سعداني” الأخيرة، مفادها “هل استقال سعداني أم طرد” من الحزب، كونه لا يعقل في المنطق السياسي أن يتنازل المنتصر عن منصته لخصومه وسعداني بالقياس السياسي والتنظيمي كان إلى غاية مساء الأمس لسان الجناح الأقوى في واجهة الحكم بالبلاد، فكيف ينسحب بهذه السهولة وفي هذا الهدوء !؟. الدوافع التي قدمها سعداني للاستقالة لا تحمل أكثر من عبارتين، الأولى أنها “لأسباب صحية” والثانية أنها “لمصلحة الحزب والبلاد”، لم يفصح ما إذا كان يعني بالأولى أنها “صحية” للحزب والبلاد كما يشير إليه مضمون العبارة التي تليها أم أنها صحية بالمعنى الطبي كـ “أسهل التبريرات”، لكن ما تبعه من تصريحات لم تخرج عن “الصراحة” المعهودة لدى سعداني كفيل بحسم “الدوافع الظاهرية” على الأقل التي دفعت به إلى الاستقالة وهي “مصلحة الحزب” (أولا) ومصلحة (البلاد)، ما يعني في مضمونها غير المقروء أن الأمر يتعلق بالاستحقاقات القادمة وبرهان أعلى يتعلق بمصلحة البلاد التي لا تحتمل “احتقانات” في ظل دعوات رسمية إلى الحفاظ على الاستقرار وبالابتعاد عن دروب المغامرة كالتي يكون قد نزع إليها سعداني بتصريحاته النارية التي “هزت” الساحة وضربت “أقطابا” لم يكن أحد قبله يجرؤ على النطق بأسمائهم حتى بـ “الخير”، لما كانت هذه الأخيرة تشكل من “محرمات” الخطاب السياسي.
ومن منطلق الأخذ بهذا السياق، يندفع إلى أذهان المتتبعين سؤال محوري لا يقل أهمية عن “معنى” كلام سعداني وهو: ألم يكن يدرك قبل خرجته الأخيرة أن تواجده على رأس الأفلان وتصريحاته ليست في مصلحة الحزب والبلاد؟!.. وبالصيغة الأخرى “كيف أدرك سي عمار في ظرف 15 يوما الأخيرة فقط أن وجوده على رأس الأفلان ليس في مصلحة الحزب والبلاد”، وهي تساؤلات بدورها كفيلة بأن تفتح احتمالات مفادها أن استقالة سعداني قد يكون وراءها إيعاز من الرئيس بوتفليقة من كونه الرئيس الشرفي للحزب، خاصة وأن القانون الأساسي للحزب لا يتيح لهذا المنصب إقالة الأمين العام إلا من خلال اللجنة المركزية، باستثناء حالة قد تكون “حادثة” الأمس مثالا عنها وهي أن يلبي الأمين العام “طواعية” رغبة الرئيس الشرفي للحزب من باب الولاء الرمزي، وقد تكون الدوافع التي قدمها سعداني للرأي العام هي نفس الدوافع التي يكون الرئيس الشرفي قد أملاها على سعداني، ما قد يفسر عدم تلبية هذا الأخير لرغبة أعضاء اللجنة المركزية في الاستمرار على رأس الأمانة العامة، مع وضع وزن اللجنة المركزية وحجمها في حسبان الميزان السياسي بالأفلان.
ومقابل كل هذا، لم يفصح سعداني عن كامل “مخططه الانسحابي” ما عدا تولية جمال ولد عباس مهام الأمانة العامة المؤقتة، بمعنى آخر أن انسحاب “سي عمار” قد يكون هو الآخر مؤقتا لاجتياز عقبة الانتخابات وأزمة الترشيحات في القوائم، وبالتالي تجنب توسيع “دائرة العداء” في القواعد، وهو طرح قائم ما دام الأمين العام المنسحب لم يفصح عن مسار آخر كاستدعاء دورة استثنائية للجنة المركزية لانتخاب أمين عام جديد، مثلما تنص عليه التشريعات في الحزب (القانون الأساسي)، بالإضافة إلى أن الطريقة التي خرج بها ما تزال تثير الاستفهامات، بفعل أنه أعلن عنها مباشرة بعد “تزكية” القيادة الحزبية له، ما يعني أن مستوى قبوله أمينا عاما ما يزال “قويا”
والولاء المعلن له عند تنصيبه بقي نفسه إلى غاية انسحابه.