أدهش فيلم “بين وبين” جمهور عنابة بعرضه في فضاء مسرح المدينة العريق، حيث امتلأت القاعة بالحضور الذي جاء بشغف كبير لاكتشاف لغة جديدة في السرد السينمائي.
وقد تحوّل المسرح في تلك الليلة إلى معبد للصورة، يجمع بين جماليات الفن السابع وروح المدينة المتعطشة للتجارب الإبداعية. المخرج الجزائري محمد لخضر تاتي أعاد في هذا العمل صياغة صورة المهرّب والإنسان العالق على الحدود، حيث اختار أن يحكي حكاية لا تكتفي بالكشف عن تفاصيل الواقع، بل تنقب في أعماق الهوية والذاكرة، والاغتراب. وقدّم رؤيته بلغة بصرية شاعرية، جمعت بين الصمت الدال والرمزية العميقة، لتخلق عالماً متخيلًا لا ينفصل عن قسوة اليومي. تفاعل الجمهور منذ اللحظة الأولى مع الفيلم، إذ لم يكن مجرّد سرد تقليدي بل رحلة وجدانية تستفز الفكر وتثير المشاعر. وقد تنقل المخرج ببراعة بين مشاهد مشبعة بالرمزية وأخرى قريبة من البساطة اليومية، مؤكدًا أنّ السينما ليست تسلية عابرة، بل أفق للتأمل وإعادة بناء علاقتنا بالعالم. وكان التصفيق الحار عند إسدال الستار إعلانًا واضحًا بأن الفيلم وصل إلى أعماق المتفرجين وحرّك فيهم أسئلة لم تُحسم بعد. في مسرح عنابة، حيث يلتقي التاريخ الثقافي بنبض الجمهور، وجد “بين وبين” فضاءه المثالي. فالمدينة التي لطالما شكّلت محطة للفن والمهرجانات أهدت الفيلم جمهورًا ناقدًا ومتذوّقًا في آن واحد، جمهورًا لا يكتفي بالمشاهدة، بل يشارك وجدانيًا في تفاصيل التجربة. وهكذا تحوّل العرض إلى حوار جماعي بين الشاشة البيضاء ووجوه الحاضرين، بين لغة الصورة وذاكرة المدينة.
بهذا الحضور الطاغي، أثبت مهرجان عنابة مجدّدًا أنّ السينما قادرة على مدّ جسور إنسانية، وأنّ الأفلام التي تحمل صرخة داخلية مثل “بين وبين” لا تنطفئ بانطفاء الأضواء، بل تبقى حيّة في وجدان الجمهور، شاهدة على أنّ الفن يمكن أن يكون وسيلة للبوح وبحثًا دائمًا عن المعنى.
ب/ص
